بحـث
المواضيع الأخيرة
حكمة ام تراجع
منتدي النيل (محمد ابواليزيدصالح) :: اسلاميات ____سبحان الله والحمد لله والله اكبر(محمد ابواليزيد جهينة سوهاج)
صفحة 1 من اصل 1
حكمة ام تراجع
[color=red]بسم الله الرحمن الرحيم
حكمة أم تراجع ؟!
سؤال يلح على كثيرين بل يجلد ضمائر كثيرين ممن عاشوا الصحوة الإسلامية في إقبالها وتوهجها في السبعينات وعاشوا أيام ذبولها وتراجعها في التسعينات !
لقد تغيرت أوضاع حياتية في واقع كثيرين ، وتغيرت معها أو بسببها اجتهادات فقهية كثيرة واختيارات علمية وعملية عديدة ، وبرز هذا التساؤل الحائر : ترى هل مرد ذلك إلى النضج والحكمة الناجمة عن تنامي رصيد التجارب الحياتية أم مرده إلى الخور والفتنة والتراجع أمام مغريات العيش وأثقال الحياة وجواذبها ؟!
لقد تزوج من كان عزبا ، ورزق من الذرية من كان فردا ، وتمول من كان معدما ، وتقلد منصبا من كان عاطلا ، واتسعت علاقات من كان منطويا ومنعزلا ، واتسعت تجارب من كان غرا ، وتعددت مصادر المعرفة في حياة كثيرين ، وتنوعت مشارب الثقافة لدى آخرين ، تغيرات جذرية لا تخطئها العين وإن كان تجري على وفاق سنن الحياة الجارية وقوانينها المضطردة ، سبيل سار فيه الأسلاف من قبل ، ومضينا نحن على آثارهم ، وسوف يمضي فيه كل من جاء من بعدنا شاء أم أبى رضي أم سخط ، وليس هذا هو المحظور أو المستغرب في ذاته ولكن موضع الريبة والتساؤل ما صاحب ذلك من تطورات فكرية وتحولات نفسية ، وما استتبعه من تغير الأولويات وتباين التحليلات واستجازة بعض ما سبق تحريمه ، والتعايش مع بعض ما سبق حظره وشن الغارة عليه ، ويبقى السؤال الحائر هل هي الفتنة والتراجع ؟ أم النضج والحكمة ؟
في هذه الدراسة محاولة لرصد بعض مظاهر هذه التراجعات لتكون بين يدي طلبة العلم وحملة الشريعة ليدلوا فيها بدلوهم وليقدحوا في تأملها زناد فكرهم وعقلهم ، لا يقصد بها بطبيعة الحال هجوم على أحد ولا إساءة إلى أحد ، وإنما هي وقفة مع النفس وجولة مع الضمير في مرحلة من مراحل العمر لا تحتمل التسويف ولا التفريط ولا يجمل فيها المراء والمغالبة ، وإنما الصدق والصدق وحده ، ومحاسبة النفس اليوم وهي في سعة قبل أن تحاسب غدا وهي موثقة ! فلا تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت!
وهذه الدراسة لا ترصد مدرسة دعوية بعينها من مدارس العمل الإسلامي المعاصر أو اتجاها بعينه من اتجاهاته ، وإنما هي محاولة لإلقاء نظرة شمولية على العمل الإسلامي في مختلف تجلياته المعاصرة ، فهي تشبه أن تكون تحليقا بالطائرة في سماء مدينة العمل الإسلامي المعاصر لتسجيل التحولات النفسية ورصد ظاهرة التراحعات الفكرية التي جدت على الساحة الإسلامية خلال هذه الحقبة، ومن ناحية أخري لا علاقة لهذه الدراسة بتقويم هذه التغيرات في ميزان الخطأ أو الصواب فلذلك محله في دراسات لاحقة بإذن الله ، وإنما تقتصر على مجرد الرصد ، فقد يكون بعض هذه التراجعات إيجابيا بحيث يعد رجوعا إلى الحق وعودة إلى الجادة ، فليس بالضرورة أن يكون كل ما ذكر في هذه الدراسة من قبيل التراجعات السلبية بل منها ما قد يكون كذلك ومنها ما قد يكون على نقيضه ، فأرجو أن نتعامل مع هذه الدراسة بهذه الروح وأن ننظر إليها باعتبارها محاولة لرؤية ميدانية لواقع الحركة الإسلامية في التسعينات مقارنة بما كانت عليه في السبعينات من حيث التحولات النفسية أو التراجعات الفكرية أو العملية توضع بين يدي الباحثين تمهيدا للإجابة على هذا السؤال الكبير الذي عنونت به هذه الدراسة ( حكمة أم تراجع ؟! )
أولا : في إطار العقائد وكبريات المسائل
- تحكيم القوانين الوضعية وأثره على أصل الدين
لقد التقت فصائل العمل الإسلامي على اختلاف مشاربها وتباعد مواقعها على أن تحكيم الشريعة الإسلامية من معاقد الإيمان ، كما اتفقت على أن العلمانية والإيمان نقيضان ، وأن القوانين الوضعية وصمة وبصمة للاستعمار في بلاد الإسلام ، وأن الأمة كما جاهدت لنبذ الاستعمار العسكري فإن عليها أن تجاهد لنبذ الاستعمار التشريعي المتمثل في تحكيم القوانين الغربية في بلاد المسلمين ، ولكنها اختلفت بعد ذلك في تحديد مرتبة هذا الخلل : هل هو من جنس الكفر الأكبر أم أنه من جنس الفسوق والكفر الأصغر ، واختلف القائلون بالأول: هل ينسحب حكم الكفر الأكبر على آحاد القائمين على هذا النظم ابتداء دون إعذار أو إقامة حجة تأسيسا على أن هذا الأمر من جليات الدين ومما عرف منه بالضرورة أم أن الحزم أم نقف عند حدود توصيف الفعل في ذاته ونترك أمر إجراء الأحكام على الآحاد حتى تتحقق شروط التكفير وتنتفي موانعه وحتى نتحقق من انتفاء عارض الإكراه والجهل والتأويل الفاسد ؟
لقد كان كثير ممن نعرف من طلبة العلم مع القول باعتبار تحكيم القوانين الوضعية في ذاته من جنس الردة عن الدين ، وأنه لا يشترط الاستحلال لاعتباره كذلك ، فالتزام هذه القوانين مكفر في ذاته مهما كانت التعلات أو التأويلات عند المتلبسين بهذا المنكر الغليظ ، وأنه لا يعتذر بالجهل في هذا المقام لأنه لا عذر بالجهل في أصل الدين ، وأنه لا اعتبار لعارض الإكراه لأن التقية إنما تكون في الأقوال لا في الأفعال ، وأن التأويل الفاسد لا وجه لاعتباره كذلك وإلا فلنعذر اليهود والنصارى كذلك لأن لهم في بقائهم على كفرهم شبهات وأباطيل فلم لا تعد بدورها من جنس التأويل ؟
ثم ترتب على ذلك جملة من اللوازم : منها إطلاق القول بجاهلية المجتمعات المعاصرة ، واعتبار بلاد المسلمين جميعا ديار حرب لغلبة أحكام الكفر عليها مع ما ترتب على ذلك في بعض المواضع من الشطط في الحكم على الناس والزهادة في أداء الجمع والجماعات بل والزهادة في المشاركة في كثير من أعمال الخير التي تستكمل بها بعض المصالح أو تستدفع بها بعض المفاسد أو تحقق شيئا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أن المنهج المعتبر للتغيير إنما هو النقض وإعادة البناء من الأساس وأن الدعوة يجب أن تتوجه ابتداء إلى إقامة أصل الدين ، وأن كل هذه المحاولات الجزئية للإصلاح لا تعدوا أن تكون محاولة عابثة لاستنبات البذور في الهواء لأن الخلل قد بلغ مبلغا لم تعد تجدي معه محاولات الترقيع والإصلاح الجزئي سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد أم على مستوى المؤسسات والحكومات.
ثم مضت الأيام وأصابت هذه الثوابت بعض الاهتزازات ، وفتح الباب لمثل هذه التساؤلات :
- هل يعد التزام القوانين الوضعية مناطا واحدا لا توصيف له إلا الكفر ؟ هل يستوي حكم من يلتزم بهذا القوانين اتقاء لمفسدة لأنه لا يملك القدرة على التغيير وبين من يلتزم بها إيمانا بحق البشر في التشريع أو بأفضلية القوانين الوضعية على الشريعة الإسلامية أو حتى تسوية بين المنهاجين ؟ بل هل يوجد هذا الصنف الأخير ابتداء في غير طائفة العلمانيين العقديين ؟!
- وما مدى صحة قياس الناس اليوم في اتباعهم للقوانين الوضعية على بني إسرائيل في اتباعهم للأحبار والرهبان فيما كانوا يشرعونه لهم على خلاف حكم التوراة ؟ ووجه التساؤل غياب البعد الديني في طاعة الناس اليوم للقوانين الوضعية وقيام هذا البعد في قصة بني إسرائيل الذين كانوا يتدينون بذلك لأن الذين كانوا يفعلون لهم ذلك هم الأحبار والرهبان ؟!
- وهل يستوي القائمون على القوانين الوضعية جميعا في حكم الكفر ؟ ألا يمكن أن يوجد بينهم بعض الصالحين من جنس مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه أو من جنس النجاشي الذي لم يكن يحكم بما أنزل الله لأنه لا يقدر على ذلك وهو بين أظهر قوم لا يقرونه على ذلك ومع ذلك فهو مؤمن بالله واليوم الآخر وقد صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب لأنه قد جاء من الدين بما يقدر عليه فعذر في ما لم يقدر عليه؟!
- هل يستوي القائم على وزارة الزراعة مثلا مع القائم على وزارة العدل أو الإعلام ؟ وهل يستوي وزراء الأوقاف مع وزراء الحربية أو الدفاع؟!
- وهل يستوي حال حاكم قد ورث هذا الباطل عن عهود سابقة ولديه توجه إلي التغيير مع ما يعتريه من الضعف البشري في بعض الأحيان وحال من هو عاكف لها ومستجيز للحكم بها مع علمه بواقع الشريعة وواقع هذه القوانين ؟!
لقد سافر كثير من قيادات العمل الإسلامي إلى الغرب ، وحطوا عصا الترحال هناك واستطاعوا أن يقيموا كثيرا من الأعمال الإسلامية الناجحة ولكن بعد أن انطلقوا من أن هناك دولة قائمة ونظما سارية لابد من الالتزام بها والسعي إلى الإصلاح من خلالها ، فما الفرق بين التزام القوانين في الغرب والتزامه في الشرق ؟ ولماذا كان كفرا في الشرق بإطلاق واحتاج الأمر في الغرب إلى شيء من التفصيل ، بل لماذا لم يفتح ملف التفصيل ابتداء إلا بعد الاحتكاك بالمقيمين في الغرب ومعايشة ما انغمسوا فيه ليل نهار من الالتزام بهذا القوانين والتحاكم إليها في القليل والكثير ؟
ومن ناحية أخرى فهل كان مجرد مصادفة أن كل من يشار إليهم بالعلم وتشد إليهم الرحال في الفتوى على مستوى الأمة كانوا من أشد الناس تحوطا في هذه القضية وأكثرهم وقوفا عند الإطلاق وتحاشيا للتعيين في الحكم على معين من هؤلاء ؟!
وأخيرا هل يعتبر الحكم على هؤلاء من معاقد الإيمان أو من معاقد السنة بحيث يؤدي الإخلال به إلى الخروج من دائرة الإيمان أو من دائرة أهل السنة في أقل تقدير ؟!
لقد كان كثير من طلبة العلم يجازفون بالقول بأن هذه القضية من معاقد السنة بل من معاقد الإيمان وأدنى أحوال المخالفة فيها الخروج من دائرة السنة والوقوع في مستنقع الإرجاء أو التجهم ، فإذا عورض من أحد بأن من رؤوس أهل العلم في واقعنا المعاصر من يقول بخلاف ذلك كان يضرب عن قوله الذكر صفحا ويغض الطرف عن لوازم قوله من إخراج أئمة عدول اتفقت الأمة على صيانتهم ومرجعيتهم العلمية عن جادة أهل السنة ويحيد من التزام هذه النتيجة ، لا يطاوعه قلبه على التزامها وإن كان التسلسل المنطقي لقوله يقود إليها !!
ولكن العمل الإسلامي يبدو أكثر تفهما لهذه الملابسات وألين عريكة من ذي قبل ، وبات يميل إلى القول بأن المحكم في هذه القضية إطلاقاتها في جوانبها النظرية وليست تطبيقاتها في جوانبها العملية ، بحيث يكون المحكم هو القول بأن تحكيم القوانين الوضعية باطل وكفر ، أما حكم القائمين عليها فيختلف من حال إلى حال ، وهو في الجملة ليس من المحكم الذي يمتحن الناس به أو يعقد على أساسه ولاء وبراء !!
جاهلية المجتمعات الإسلامية المعاصرة
أما إطلاق القول بجاهلية المجتمعات الإسلامية المعاصرة فقد تعرض لشيء من النقد من قبل كثير من طلبة العلم ، وشاع القول بأن الجاهلية المطلقة لا يمكن المجازفة بإطلاقها بعد زمن النبوة لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق … ) كما شاع التفريق بين جاهلية الكفر وجاهلية المعاصي ، وأصبحت الساحة أكثر وعيا بضرورة الحذر عند إطلاق هذه التعبيرات لما قد يترتب عليها من فساد في كثير من المآلات!
دار الحرب ودار الإسلام
أما إطلاق القول بأن بلاد المسلمين قد تحولت جميعا إلى ديار حرب لغلبة أحكام الكفر عليها فقد تعرض بدوره لكثير من النقد لإهدار جانب ظهور الشعائر في بلاد المسلمين من الجمع والجماعات ونحوه في هذا الحكم ولإهدار كون السواد الأعظم من الناس في هذه المجتمعات من المسلمين لا سيما مع ما ترتب على هذا الإطلاق من كثير من اللوازم الفاسدة بدءا من موجات الغلو في التكفير واستباحة الأموال العامة وانتهاء بتعطيل جملة من الشعائر وفروض الكفايات ، وأصبحت الساحة أكثر ميلا إلى التفصيل والقول بأن هذه الديار مركبة فيها المعنيان ، فهي دار إسلام من وجه ودار كفر من وجه ، دار إسلام باعتبار ظهور شعائر الإسلام فيها وكون أهلها من المسلمين وهي دار كفر باعتبار تعطيل الشريعة وغلبة القوانين الوضعية عليها .
وكان من أبرز الآثار المترتبة على هذا التطور في توصيف الدار والمجتمعات تطور آخر في منهج التغيير وآلياته فبدأت الساحة تقبل بمبدأ تكميل المصالح وتقليل المفاسد وترحب بكثير من الإصلاحات الجزئية في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولم تعد الصورة الوحيدة المقبولة للإصلاح هي صورة النقض وإعادة البناء من الأساس كما أشاعت ذلك المجازفات السابقة !
العلاقة بالقيادات السياسية
وفي العلاقة بالقيادات السياسية حدث تراجع نسبي بالقياس إلى ما كان عليه الأمر في السبعينات، فبالإضافة إلى اهتزاز الأساس النظري في تكفير آحاد هؤلاء فقد أدرك كثيرون أن العنف والمواجهة لم يأت بشيء ، وأنه قد جر على العمل الإسلامي ما جر من الويلات والفجائع ، فضلا عن ارتباطه في الأصل بمناط التمكين وليس بمناط القلة والذلة والغربة ، فتطور الخطاب وحل التألف والمداراة محل الشدة والمجافاة ، وشهدت الساحة شيئا من المجاملات بين الفريقين في بعض المواقع ، وتقبلت الساحة هذا التحول وتعايشت معه ولو باعتباره رأيا مرجوحا أو اجتهادا ضعيفا لكن يبقى لأصحابه حظ من النظر في نهاية المطاف !.
ومن ناحية أخري فقد تغيرت خريطة البراء وأولويات المواجهة في كثير من المواقع ، ولم تعد قضية المواجهة مع طغاة الحكم والقيادات السياسية المحلية على رأس هذه القائمة ، فمع استفحال الخطر اليهودي وانتهاك السيادة الوطنية بما يسمى النظام العالمي الجديد برزت الحاجة إلى إعادة النظر في خارطة العداء والبراء وترتيب أولويات المواجهة في ضوء هذه المتغيرات ، وأصبح اليهود والذين أشركوا على رأس هذه القائمة ، بل وظهرت بعض الدعوات التي تنادى بضرورة السعي إلى قدر من المصالحة الوطنية التي تحشد طاقات الأمة في هذه المرحلة الدقبقة وأن تأجج الصراعات المحلية لا يفيد منه في نهاية المطاف إلا خصوم هذه الأمة .
الآبقون على الصحوة
بل كان من التراجعات الفادحة التي سجلتها الساحة الإسلامية انحياز فريق من حملة المنهج السلفي إلى معسكر الطواغيت بالكلية وتبني الدعوة إلى ذلك جهارا وبلا مواربة ، وأصبح هذا الموقف عندهم من معاقد الولاء والبراء ومما يصنف الناس على أساسه ، وعرفت الساحة ولأول مرة التفريق بين العقيدة والمنهج ، فمن الناس من يكون سلفي المعتقد لكنه ليس على منهج أهل السنة وذلك إذا كان يتكلم في العلمانية أو في تحكيم القوانين الوضعية أو ينكر على القائمين عليها أو يبدي شيئا من التسامح مع الجماعات الإسلامية المعاصرة وي رى لاجتماعهم على أعمال الخير وتعاقدهم فيما بينهم على ذلك حظا من النظر ، وبلغ الأمر مبلغ التصريح بأن أجهزة الأمن على ما قد يكون في بعضها من ظلم أرضى لله في الجملة من التجمعات الإسلامية التي تضم طلبة العلم وحملة الشريعة ما دامت لا تدين بالطاعة والولاء لأولي الأمر ، ثم يتطوع بدلالة هذه الأجهزة على عورات إخوانه ويغريها بهم ويحضها على إبادة خضرائهم ، وعرف ولأول مرة هذا التشرذم البغيض داخل الإطار السلفي وما يعنيه ذلك من التقاذف بالتهم والمناكر بدءا من التبديع وانتهاء بالخيانة ، وظهر لأول مرة من يدعو في داخل التيار الإسلامي إلى طاعة العلمانيين من الحكام ويتبنى توطيد ملكهم وتأليف الناس على طاعتهم ويعد ذلك من معاقد الولاء والبراء في علاقته مع الآخرين ، وأساس ذلك كله هو الخلط في تحرير المناط، وعدم التفريق بين انحرافات العلمانية التي تعلن رفضها للشريعة وتتحاكم في الدماء والأموال والأعراض إلى غير ما أنزل الله وبين انحرافات التطبيق العارضة في ظل الدولة الإسلامية التي تقوم ابتداء على الإقرار بمرجعية الشريعة وسيادة مقرراتها ونقل مقالات أهل العلم في واقع لا يزال بعلن قيامه على الشريعة وتحكيمه لها إلى واقع يعلن العلمانية ويحكم القوانين الوضعية ويدعو جهارا إلى الفصل بين الدين والدولة ! وأيا كان هذا الأمر فإن السواد الأعظم على أن هذا الاتجاه بهذه الحدة وبهذه الضراوة في المخالفة لا يعدو أن يكون آبقا على الصحوة الإسلامية بل آبقا على جهاد الأمة كلها في واقعنا المعاصر!
تطور النظرة إلى البرلمانات والمجالس النيابية
فإذا نزلت إلى عالم البرلمانات والمجالس النيابية رأيت قدرا غير قليل من التحولات وتباين الاجتهادات لقد ورث جيل السبعينات ميراثا كبيرا من الصدود عن هذه الأجهزة والازورار الكامل عنها ، فهي أجهزة الطاغوت وأدوات الحكم بغير ما أنزل الله ، وهي التي تصنع الكفر وتصدره إلى الناس ، والقائمون عليها هم الذين ينصبون أنفسهم أربابا على الناس من دون الله ، والاقتراب منها أو السعي إلى التغيير من خلالها فتنة في الدين وتلبيس على الأمة وتغرير بصفاء عقائدها وتميز منهجها وإضفاء للشرعية على ما لا شرعية له …. الخ فماذا بقي من هذه المفاهيم وما الذي تبدد منها وصار نسيا منسيا ؟
لقد فتح الباب أما هذه التساؤلات ؟
- ما مدي صحة القول بإطلاق القول بكفر جميع المنتظمين في هذه المجالس وفيهم الأغرار والجهلاء والمتأولون ؟
- وما مدي صحة القول بأن جميع أعمال هذه المجالس من جنس أعمال الكفر والردة ؟ أليست هذه المجالس تنظر فيما تنظر أمورا أحالت فيها الشريعة إلى التجارب البشرية البحتة كالمسائل التنظيمية والإجراءات الإدارية ونحوه ، فهل يصح أن يقال عن أصحابها وهم يمارسون التنظيم في مثل هذه الأعمال إنهم يغتصبون سلطة التشريع ابتداء من الله ؟! وإنهم بهذا ينصبون أنفسهم أربابا على الناس من دون الله ؟!
- وماذا عن المتأولين الذين جاءوا إلى هذه المجالس بناء على هذا التأويل وحسبوا أنهم يمارسون أعمالا دنيوية بحتة لا علاقة لها بالدين ولا بالشريعة ؟
- وماذا عن هؤلاء الذين يعلمون واقعها ولكنهم تأولوا في ارتباطهم بها نصرة للدين والسعي إلى تحكيم الشريعة أو علي الأقل الحيلولة بين القوم وبين إضاعة ما بقي من ذلك ؟ أو على أدنى تقدير ( معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) ؟!
- وماذا عن من جاءوا إليها طمعا في وجاهة أو مغنم مالي وهم ذاهلون تماما عن مخالفات هذه المجالس لثوابت الإسلام ومحكمات الشريعة؟
تطور النظرة إلى للجيوش والمؤسسات العسكرية
وما أثير من التساؤلات متعلقا بالبرلمانات أثير مثله بالنسبة للجيش والمؤسسات العسكرية بصفة عامة لقد بالغ جيل السبعينات في الازورار عنها فهي عنده جيوش الطاغوت ، والعاملون فيها جنده والمقاتلون تحت لوائها مقاتلون في سبيله ، وغلا بعضهم فكفر جميع المنتسبين إليها أفرادا ومؤسسات والأصل في هذا كله عندهم قوله تعالى ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين )
ثم مضت الأيام وتعرض كثير من هذه المفاهيم للانحسار والتراجع ، ووجدنا من قيادات العمل الإسلامي من يحاول أن يرسل بأبنائه إلى هذه المعاقل أو يفتي بجواز الانتساب إليها بل وبوجوب ذلك في بعض الأحوال ، ثم فتح الباب أمام هذه التساؤلات :
- ما مدى دقة التعميم الذي تبناه العمل الإسلامي في الفترة الماضية في حكمه على هذه المؤسسات ومن ينتسبون إليها ؟.
- ألا يوجد بينها رجال صالحون يحبون الله ورسوله وتمحضت نياتهم للدفاع عن دار الإسلام تحت لواء هذه المؤسسات ، وهم لا يتوقعون أن يحملوا على باطل ثم إن حدث ذلك جدلا اعتزلوا واحتسبوا ما يصيبهم في الله من جراء ذلك ؟.
- ألا يوجد بينها من الجهلاء من تمحض وجودهم فيها لأداء عمل وظيفي بحت كمن يعملون في ظل أي مؤسسة أخرى مع إقرارهم بأصل الإيمان بالله ورسوله ؟.
- بل فتح الباب أمام مثل هذا السؤال: إذا تعينت هذه المؤسسات طريقا للدفاع عن بلاد المسلمين في هذه الأيام فهل يسع المسلم التقاعس عن دعمها والسعي لإصلاحها ما امتهد سبيل إلى ذلك ؟ ثم هل يسعه إذا حزب الأمر ووقعت الواقعة أن يتخلف عن الجندية فيها لدفع عدو صائل أو الدفاع عن الأمة في مواجهة اجتياح يهودي أو صليبي ثم إن تباينت النيات في ذلك فإن كلا يبعث يوم القيامة على نيته ؟!
لقد كبر من كان صغيرا ، وخالط الناس من كان معتزلا ، وتعامل مع كثير ممن يعملون في هذه المواقع فرأوهم بشرا من البشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، ويرتادون المساجد ويغشون مجامع المسلمين ، وقد يوجد في أسرهم من تمحض للعمل الإسلامي وأصبح يصنف في عداد من ينعتون بالإرهاب والتطرف ، لقد اتسعت دائرة العمل الإسلامي واتسعت باتساعها دائرة البلاغ وإقامة الحجة بطبيعة الحال ، وغمر الماء القيعان فارتفع حتى شارف القمم في كثير من المواقع ، ولم تعد هذه الصورة الكالحة الموغلة في التشاؤم هي الصورة المنقوشة في ذاكرة جيل اليوم ، وكان من الطبيعي أن ينشأ عن هذا كله اضطراب في بعض المفاهيم وتراجع عن بعضها الآخر .
تطور النظرة إلى الأجهزة الأمنية
وما أثير من التساؤلات متعلقا بالجيوش أثير مثله بالنسبة للأجهزة الأمنية والقضائية وكما رأينا من قيادات الدعوة من يحاولون أن يدفعوا بذويهم إلى الكليات العسكرية رأينا منهم من بدفع بذويه كذلك إلى كليات الشرطة أو إلى كليات الحقوق ورخص في تبوئ كثير من مواقعها الوظيفية متأولا في ذلك قواعد الضرورة أو الحاجة والمصلحة ، ولسنا بصدد تصويب أو تخطئة ولكننا فقط في مقامنا هذا نرصد هذه التحولات لتكون كما ذكرنا من البداية موضع تأمل طلبة العلم وحملة الشريعة .
ولقد فتح الباب عريضا أمام مثل هذه التساؤلات :
- هل يصح التعميم الذي تبناه العمل الإسلامي في الفترة الماضية في حكمه على هذه الجهات ؟
- هل يصح القول بأن رجال الشرطة جميعا في معسكر العلمانية وأنهم مارقون على الله ورسوله ؟
- هل يصح القول بأنهم جميعا معادون للشريعة كارهون لتحكيمها مجرمون للتدين محاربون لجميع مظاهره ؟
- ألا توجد تخصصات للشرطة تعمل في قطاعات لا علاقة لها بالتدين بمفهومه الخاص سلبا أو إيجابا كحراسة الموانئ والحدود وقطاع المرور ومكافحة جرائم النصب والتزوير ونحوه ؟
- ولعل أكبر جدل لا تزال معاركه حامية الوطيس حتى ساعة كتابة هذه السطور ما دار من جدل حول الوظائف الأمنية باعتبارها تعلقها المباشر بمواجهة التيار الإسلامي وتجفيف منابع التدين ، ولا يزال الحوار سجالا بين الفريقين : مجيزين ومانعين ، وأيا كانت نتيجة هذا الجدل فقد بدأ يسمع ولأول مرة : هل هؤلاء الذين يتربصون بالدعوة وبرامجها وتمحضت أعمالهم لتطويقها ومحاربة القائمين عليها هل يدركون جميعا أنهم يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا وأنهم ينحازون بفعلهم هذا إلى أعداء الأمة ويمكنون لها في ديار الإسلام ؟ أم صور لهم أنهم يحاربون شراذم من الخوارج ومشعلي الفتن الذي صحت فيهم النصوص بأنهم كلاب أهل النار وحرضت على قتلهم وأكدت على أن لمن قاتلهم أجرا يوم القيامة ؟
إن الذريعة إلى هذا التأويل الفاسد قريبة ، وفي الأمة من أهل الفتوى من يزين هذا التأويل وينتصر له ويشرق به ويغرب ، وإن الأمة لم تتحيز بعد إلى معسكرين يتمحض أحدهما للكفر والآخر للإيمان حتى يقول إن مجرد الانحياز لهذا المعسكر أو ذاك يحدد هوية المنتسبين إليه ، بل لا تزال كثير من الأوراق مختلطة وكثير من الرايات متداخلة ، وعندما تختلط الأمور على هذا النحو فإنه يتعين التريث والاحتياط واستصحاب أصل السلامة حتى يأتي في خلاف ذلك أمر محكم لا يختلف فيه ولا يختلف عليه.
وقد انعكست هذه التساؤلات بطبيعة الحال على المواقف العملية فلم يعد تعميم المعاداة والمجافاة أو توحيد تصنيف القوم جميعا وتوحيد معاملتهم جميعا هو الأصل الذي تبنى عليه طبيعة العلاقة بين الفريقين ، وإنما حدث نوع من التمييز بين المواقف والحالات ، ونشأ لون من التعايش بل وإقامة علاقات من الود والصلات الشخصية مع من يبدو منه ظاهر الصلاح وتفويض السرائر إلى الله عز وجل ، وبات هذا هو الموقف الأكثر شيوعا ويبدو في نظر كثيرين أنه أولى بالصواب من غيره وأنه وأرضى للرب جل وعلا وأنفع لدينه ولعباده.
تطور النظرة إلى الأعمال القضائية
وعلى صعيد الأعمال القضائية في ظل تحكيم القوانين الوضعية فتح الباب أيضا أمام كثير من التساؤلات :
- هل المناط المكفر هو تحكيم القوانين الوضعية بإطلاق أم ما كان من ذلك عن رضا وإرادة واختيار ؟
- وهل يستوي في حكم الشريعة قاض حكم بهذه القوانين وهو مؤمن بها معتقد لمشروعيتها وصلاحيتها وآخر يحكم بها لانعدام البديل الإسلامي ولعدم قدرته الآنية على التغيير ، ولأن بقاءه في موقعه من جنس تقليل المفاسد وتخفيف المظالم كما أفتاه بذلك بعض أهل العلم من هنا أو من هناك؟
- وهل يستوي في حكم الشريعة من يتحاكمون إلى هذه القوانين من العامة وأشباه العامة نظرا لانعدام البديل الإسلامي القادر على رد الحقوق واستخلاص المظالم كما هو الأصل في العامة في الغرب والشرق على حد سواء هل يستوي هؤلاء ومن يتحاكمون إليها إيمانا بأفضليتها على الشريعة أو تسوية بينها وبين الشريعة أو حتى تسويغا للحكم بها مع تفضيلهم لحكم الشريعة كما هي المناطات المكفرة في هذا الباب ؟
ومن ناحية أخرى لم يعد الرفض الكامل لهذه الأعمال هو الأصل في كثير من المواقع بل شهدت الساحة كثيرا من الترخصات تحت دعاوى تقليل المفاسد أو اكتساب الخبرة أو عدم ترك هذا المواقع للمبطلين يستطيلون بها على الصالحين من عباد الله ، وأيا كان الموقف من هذه الاجتهادات قبولا أو رفضا إلا أن اللافت للنظر هو التعايش معها واعتبارها من موارد الاجتهاد من قبل كثير من المعارضين فخفت الجدة وتراجعت التوترات ، وصار هذا الاجتهاد جزءا من مألوفات الساحة الإسلامية يقبله من يشاء ويرده من يشاء مع بقاء العصمة والألفة وأخوة الدين .
انحسار ظاهرة التكفير
ونستطيع أن نقول في الجملة إن الساحة قد سجلا انحسارا ملحوظا في قضية التكفير ، فقد انحسرت هذه الموجة عما كانت عليه في السبعينات ، وتراجعت الاتجاهات التي كانت تتبنى إطلاق القول بتكفير المجتمع حكاما ومحكومين ، أو تكفير قطاعات بأكملها كالجيش أو الشرطة أو القضاء وعاد هؤلاء جميعا إلى التفصيل والتفريق بين المناطات المختلفة ، كما تراجعت كذلك الاتجاهات التي تبنت التشكيك في إسلام العامة ودعت إلى التوقف في الشهادة لهم بالإسلام ، وتحول كثير ممن حملوا هذه المقولة في السبعينات عن هذا المنهج وعقدوا صلحا مع المساجد مرة أخرى ، وعادوا إلى شهود الجمع والجماعات مع جماعة المسلمين من جديد !
تطور النظرة إلى التصوف والممارسات الصوفية
- وعلى صعيد آخر خفت حدة العداء للاتجاهات الصوفية ، وأصبح التفصيل بين ما يقبل وما يرد وما يتعايش معه وإن خالفته وبين ما لا سبيل إلى التعايش معه بحال ، أصبح التمييز على هذا النحو هو الموقف الذي يبدو أنه أكثر اعتدالا ويكسب كل يوم أنصارا ومؤيدين .
- لم تعد النظرة إلى القوم كما كان الحال في السبعينات على أنهم طابور خامس أو طلائع للاستعمار في ديار الإسلام بل على النقيض من ذلك فقد كشف النقاب عن الصوفية المجاهدة في أفريقيا ، وتدارس الناس سيرة عمر المختار وزواياه في ليبيا ودورها في مقاومة الاستعمار الإيطالي وانحيازها إلى جهاد الأمة بل وقيادتها لمسيرة هذا الجهاد ، وعاشت الأمة كلها قضية الجهاد الأفغاني ودفعت إليه بفلذات أكبادها ،كان من آكد الدروس المستفادة من هذا الجهاد ضرورة التمييز بين مراتب أهل البدع ومعاملة كل فريق بما يستحق ، وأدرك الناس في ثنايا هذا الجهاد أن ظاهرة التعميم في إطلاق الأحكام وفي تبني المواقف مما يحتاج إلى مراجعة وترشيد ، وأنه ليس من منهج أهل السنة في شيء أن توحد معاملة أهل البدع مهما اختلفت مراتب البدع في ذاتها ومهما اختلفت مراتب أصحابها ، وأنه ليس من منهج أهل السنة في شيء أن تحاسب كل من انتسب إلى التصوف مثلا على كفريات ابن عربي وابن الفارض والحلاج وأمثالهم وأن تفترض ابتداء أنه معتقد لهذه المقولات مع علمه بمآلاتها وإدراكه لمقتضياتها وقد يكون ما سمع بها قط ولا اعتقدها طرفة عين ! كما أدرك الناس من خلال دروس هذا الجهاد المبارك أنه يقاتل مع المبتدع من هو أشد منه ابتداعا ومع الظالم من هو أشد منه ظلما ، وأن مبنى الشريعة على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، نعم لقد أدركت هذه الحقائق مع المتصوفة ومع غيرهم وإن كان هذا لم يغيب ما لدى كثير من القوم من ضلالات وأباطيل ، ولكن المقصود أنه قد بدأ التمييز بين ألوان التصوف والتعايش النسبي مع المعتدل منها .
ومن ناحية أخري فقد اعتدلت النظرة كذلك إلى الممارسات الصوفية وبات يفرق بين ما كان منها من جنس البدع والمحدثات وما كان من جنس الكفر والشركيات وما كان منها في محل الاجتهاد .
- فعرفت الساحة تسامحا مع قضية التوسل وفرقت بينه وبين دعاء غير الله ، وأصبح يشاع بين الناس ما قرره الشوكاني والألوسي والعز بن عبد السلام وغيرهم من جواز التوسل بالصالحين من عباد الله ، وما قرره محمد بن عبد الوهاب من أن هذه القضية من موارد الاجتهاد التي لا ينكر فيها على المخالف .
- وفرق في باب الطواف بين ما قصد به تعظيم الميت كتعظيم الله وبين ما لم يقصد به ذلك فالأول شرك والثاني بدعة .
- وفرق في باب النذر بين نذر يقصد به الفقراء الذين يترددون على مسجد ولي من الأولياء وبين نذر قصد به الميت نفسه من دون الله ، فالثاني هو الشرك والأول قبوله أو رده في محل الاجتهاد .
- وفرق في باب الصلاة في المساجد التي بنيت على الأضرحة بين مصل قصد إلى الصلاة في هذه المساجد لمكان الضريح وبين من صلى فيها عرضا خشية أن تفوته الجماعة ، إذ المحذور في الصورة الأولى أظهر ولعله المقصود ابتداء بما ورد في نصوص النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، أما الثانية فهي في محل الاجتهاد.
- وشاع في أوساط الحركة الإسلامية تعبيرات الزهد والربانية وهي في الأصل مما شاع في الأوساط الصوفية ولكنه طباعة كتب الزهد لأحمد بن حنبل وابن المبارك وغيرهم أدت إلى تطبيع التعامل مع هذا المصطلحات ، وفك الارتباط بينها وبين التصوف في عدد من المواقع وبدت الصورة أكثر تسامحا وأكثر اعتدالا .
وبالجملة لم تعد هذه النظرة الطرفية الحادة هي قاعدة العلاقة في التعامل بين الفريقين ، ولم يعد التعميم هو الأصل في إجراء الأحكام بل التفصيل وإعطاء كل حالة ما يناسبها من الأحكام.
ومن ناحية ثالثة لم يعد الخلل في هذا الجانب مهدرا للصواب في بقية الجوانب ، فأصبحت ترى من يزكي فلانا بسابقته أو بلائه في نصرة الدين ، بل وقد يعظمه وينزله منزل الشيوخ رغم ما هو معروف به من الميل إلى التصوف أو التورط في بعض بدعياته.
التسامح في قضية الصور
وبدا العمل الإسلامي أكثر تسامحا في قضية الصور من ذي قبل ، فبعد أن كان الأصل عنده في هذه القضية هو التحريم في السبعينات أصبح يفرق بين ما يحل منها وما يحرم ، سيما بعد أن ظهرت أشرطة الفيديو وما تحمله من نفع عام في مجال الدعوة إلى الله ، وبعد أن ظهرت الصور في المجلات الإسلامية للتعريف ببعض جراحات المسلمين النازفة في كثير من المناطق المنكوبة من العالم ، وتكاد تكون الصور الفوتوغرافية في الجملة محل إجماع سكوتي على تحريمها –ما لم تكن الحرمة لأسباب خارجية كالصور العارية مثلا – ثم أخذ يتعايش مع الاجتهادات التي تقيد التحريم بالصور المجسمة ذوات الظل ، سيما بعد أن ظهرت الأفلام الكرتونية التي تحمل نفسا إسلاميا ووجد فيها كثير من الدعاة وطلبة العلم بديلا نافعا للأطفال من الأفلام الغربية وما تحمله من خطورة بالغة على الدين والأخلاق ، بل حتى في هذه الصور المجسمة بدأ يتعايش مع الاجتهاد الذي يقول إن هذا التحريم كان في صدر الرسالة عندما كان الناس حديثي عهد بوثنية فحرمت الصور يومئذ حماية لجناب التوحيد ثم زالت هذه الحرمة لزوال هذا المحذور بعد استقرار العقائد وانتفاء ذريعة التعلق بهذه الصور وعبادتها من دون الله.
انحسار فتنة العذر بالجهل
ولم يعد تعميم القول بعدم العذر بالجهل هو الأكثر رواجا أو قبولا في محيط العمل الإسلامي رغم نسبة القول به إلى شيوخ مقدمين لهم إجلالهم ومكانتهم في نفوس أغلب المتدينين ، وأصبح التفريق واضحا بين من لا يدينون دين الإسلام ابتداء فهؤلاء هم الذين لا يعذرون بالجهل - أي لا يشفع لهم جهلهم في وصفهم بالكفر وإن كانت لا تجري عليهم كثير من مقتضياته إلا بالبلاغ وإقامة الحجة -وبين من يدينون بالإسلام ابتداء ويقرون في الجملة بالتوحيد ويبرؤون في الجملة من الشرك ثم يقعون في بعض عوارض الشرك فهؤلاء قد يعذرون بجهلهم - إذا توافرت مقتضيات العذر - فلا يكفرون ولا تجرى عليهم أحكام الكفر إلا إذا أقيمت عليهم الحجة الرسالية التي يكفر معاندها ، ثم توسع في مقتضيات العذر فظهرت الدراسات التي تقول إن الأصل هو عدم العلم ولذلك فإن الأصل هو استصحاب العذر بالجهل في أزمنتنا هذه اعتبارا لغربة الدين وفشو الجهالة وقلة العلم بآثار الرسالة ، وبهذا خفت حدة العداء وتحولت النظرة إلى هؤلاء من كونهم أعداء يمثلون اغتيالا لعقل الأمة أو اختراقا خارجيا لحصونها الداخلية إلى كونهم أجزاء معتلة من جسد الأمة هي أكثر حاجة من غيرها إلى الرفق وإلى العلاج .
التطور الفكري في قضية الولاء والبراء
وفي باب الولاء والبراء شهدت الساحة كثيرا من التحولات أو من التراجعات .
- وعلى رأس ذلك تحديد المناط المكفر في هذه القضية ، لقد أشاع جمهور العمل الإسلامي في السبعينات القول بأن الولاء المكفر هو مطلق النصرة للكافرين أيا كانت بواعثها أو ملابساتها ثم أخذ يتأول مقالات أهل العلم الواردة في قضية حاطب بن أبي بلتعة وفي قضية التجسس
-
- واجتهد في تخريجها على هذا الأصل ثم تعرض هذا الإطلاق لكثير من النقد وتعرض لكثير من التراجعات بعد أن بدت كثير من الممارسات التي تعذر معها استصحاب هذا الأصل والتزام مآلاته ومقتضياته وأصبح اعتبار أن المناط المكفر في باب موالاة الكافرين هو ما كان من ذلك الدين هو القول الأكثر قبولا والذي يبدو في نظر كثيرين أنه أكثر اعتدالا وأولى بالصواب من هذا الإطلاق القديم
- ومن ذلك أيضا قضية إظهار العداء للكافرين ، وطرح سؤال في هذا المقام : هل يستوي في ذلك المقاتلون منهم والمسالمون؟ وإذا كان ذلك كذلك فكيف يجتمع هذا مع إذن الله لنا ببر المسالمين منهم والإقساط إليهم ؟ وكيف يجتمع واجب إظهار العداوة مع ما يقتضيه من غلظة وما يوجبه من نفرة وواجب دعوتهم إلى الله واستمالة قلوبهم إلى الإسلام مع ما يقتضيه ذلك تألف ومجاملة ومداراة ؟ ثم فتح الباب بعد ذلك واسعا لمثل هذه التساؤلات :
- هل هناك من حرج في توجيه الخطاب إليهم باسم الأخوة الإنسانية أو أخوة المواطنة أو أخوة القبيلة أو العشيرة ؟ وإذا كان ذلك لا يجوز فما وجه مثل قوله تعالى ( وإلى عاد أخاهم هودا ) وقوله تعالى ( وإلى ثمود أخاهم صالحا ) وقوله تعالى ( وإلى مدين أخاهم شعيبا ) وقوله تعالى ( وعاد وفرعون وإخوان لوط ) ومثل ذلك كثير في القرآن.
- هل هناك من حرج في وجود عاطفة المحبة الفطرية التي يكنها الزوج لزوجه والرجل لولده أو والده ولو كان كافرا ما دامت لا تحمله على فعل محرم أو ترك واجب ؟ وهل يعقل أن تحل الشريعة الزواج بالكتابية ثم تدعو إلى بغضها وتحرم على زوجها محبتها مع امتنان الله تعالى على الأزواج بما أودعه في قلوبهم من هذه العاطفة في مثل قوله تعالى ( وجعل بينكم مودة ورحمة ) وإذا كان ذلك كذلك فما وجه ما ذخرت به كتب العقائد من القول بأن الكافر يبغض من كل وجه ؟ ولماذا لا يقال : إنه قد يحب من وجه ويبغض من وجه ؟
- ولماذا لا يقال إن الأصل هو الرحمة بهؤلاء الضلال ومحبة الهداية لهم والسعي الحثيث لإنقاذهم من النار وقد قال تعالى واصفا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ( لعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) وقال تعالى ( لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين ) بدلا من إشاعة القول بأن الأصل هو امتلاء القلوب بالعداوة والبغضاء ، وإن إظهار ذلك للقوم هو مناط مشروعية الإقامة بين أظهرهم ؟! ولا شك أن الفرق كبير جدا بين أن يصل إلى القوم أننا نؤصل واجب الرحمة بهم والسعي إلى إنقاذهم وبين أن يصل إليهم أننا نؤصل واجب بغضهم وعداوتهم ونعتبره من معاقد الإيمان!
- وإذا كان الأصل في الإقامة في بلاد الكفر هو التحريم والأصل في الهجرة إلى ديار الإسلام هو الوجوب فماذا يكون الحال عندما لا يأمن المسلم على نفسه في بلاد المسلمين ويأمن عليها في بلاد الكافرين؟ وإذا كانت بلاد الكفار هي التي توفر للمتوطنين فيها حرية الدعوة وحرية الحركة وتحظر عليهم هذه الحقوق في بلاد المسلمين ؟ هل تتغير القاعدة تبعا لتغير المناط ويقال : إن الأصل أن يقيم المسلم حيث يكون أرضى لله وأعبد له وأنفع لدينه ولعباده الشرق والغرب في ذلك سواء بلاد الإسلام وبلاد الكفر في ذلك سواء ؟؟
- وفي هذا الإطار بدأ العمل الإسلامي يحس بفراغ في المكتبة الإسلامية فيما يتعلق بهذه القضية لأن جل ما كتب فيها إنما كتب ليخاطب أهل الإسلام في المجتمعات الشرقية ، لكن شيئا من ذلك لم يكتب ليتوجه الخطاب به إلى مسلمي المجتمعات الغربية أو ليطلع عليه غير المسلمين ممن لا يدينون لله بالوحدانية ولا لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، إن ما ذخرت به هذه الكتب من التهييج على عداوة القوم والحض على إظهار هذا العداء وجعل القدرة على ذلك مناطا لمشروعية الإقامة في ديار الكفر كل هذا بدا أنه في حاجة إلى مراجعة وتدقيق لأننا ببساطة أصحاب قضية وحملة رسالة نريد أن ننقلها إلى الناس في هذه المجتمعات ، ولا يجتمع الأمر بالدعوة مع الأمر بإظهار العداء ابتداء فإن الدعوة تحتاج إلى تألف واستمالة قلوب بل قد تبذل أموال الزكاة في هذا التألف ، وفرق بين استعلاء الإيمان بحيث لا يستشعر المسلم صغارا ولا هوانا وهو يقيم بين أظهر الكافرين وبين أن يكون مستفزا بخطابه أو بحاله أو يبادر إلى مجاهرة القوم بعداوة لا يجدون لها مبررا وهو في مقام الدعوة ولم يصادر على دعوته أحد ولم يحل بينه وبين تبليغ رسالات الله أحد ! . إن ما جاء في كتب السلف صحيح في ذاته ولكن الخلل يكمن في عدم ضبط مناطه وفي تطبيقه في غير مساقه
- وإذا كان الأصل هو فرض الذلة والصغار على المخالف في الدين من أهل الذمة فقد أدرك كثير من الناس أن هذا الأصل مرتبط بمناط الاستخلاف والتمكين وليس بمناط الاستضعاف والمطاردة الذي تعيشه فصائل العمل الإسلامي في أغلب بقاع العالم ، فحل التألف والمداراة محلة الغلظة والمجافاة ، ونشأ قدر من المجاملة بين الفريقين حتى لا يتخذ من توتر العلاقات بينهم مبررا للتنكيل برجالات العمل الإسلامي بدعوى تمزيق الوحدة الوطنية أو تهديد السلام الاجتماعي أو أن يكون ذلك مبررا للقوى الخارجية لانتهاك السيادة الوطنية بدعوى حماية الأقلبات والمحافظة على حقوق الإنسان .
التحالفات السياسية
- وإذا كان الأصل في الولاء والبراء أن لا يعقد على أساس الإسلام فما مدى مشروعية التحالف مع بعض القوى الوطنية لدفع صائل أو الوقوف في وجه اجتياح صهيوني أو صليبي ؟ وهل يعد مثل هذا الموقف قدحا في عقيدة الولاء والبراء ؟
لقد شهد الساحة تسامحا كثيرا في هذه القضية واتخذت من عمومات النصوص منطلقا لها مثل قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) ومثل ما حدث في حلف الفضول إن صحت الرواية به ثم بعد ذلك المصلحة الظاهرة أو الضرورة الملجئة في بعض الأحوال ، بل وجدنا من يقول في المجتمعات الغربية : لا حرج في الاجتماع مع غير المسلمين على حرب المخدرات والشذوذ الجنسي وجنوح المراهقين ونحو ذلك من علل هذه المجتمعات ما دمنا نعيش فيها ولنا مصلحة في تطهيرها من هذه الرذائل ، وإن المقارنة لتبدو مذهلة بين رفض مثل هذا التعاون في السبعينات بين فصائل العمل الإسلامي ممن ينتمون إلى منهج أهل السنة بمفهومه الواسع لوجود بعض الخلافات الفروعية وبين قبوله في التسعينات مع عبدة الصليب والذين لا يدينون ابتداء بدين الإسلام .
تطور النظرة إلى التجنس
وبدا العمل الإسلامي أكثر تسامحا وأكثر مرونة في قضية التجنس ، فبعد أن كانت تمثل في السبعينات عدوانا صارخا على قضية الولاء والبراء واعتبرت لذلك من نواقض الإيمان القولية والعملية وطيرت في أوساط الأمة فتاوى أهل العلم يشأن ردة المتجنس بالجنسية الفرنسية في تونس أصبحت في التسعينات من المجمل الذي يحتاج إلى بيان وتفصيل للتفريق بين ما يقبل منه وما يرد ، اعتبارا لما عمت به البلوى في الأمة من أوضاع وأحوال جعلت من اللجوء إلى التجنس ضرورة ملجئة في بعض الأحوال ومصلحة راجحة ظاهرة في أحوال أخرى ، ونفت عن التجنس المناط الذي يجعله بابا من أبواب الردة عن الدين فأصبح مجرد إجراء إداري لاستكمال أوراق رسمية وكل التزام فيه يعارض دين المتجنس فإن المتجنس في حل منه ، ولم يعد كما كان عقدا بين الدولة وبين المتجنس يقبل بمقتضاه المتجنس شرائع الدولة التي اكتسب جنسيتها وينخلع بمقتضاه من شرائع الدولة الأخري التي خلع جنسيتها وينفصل بمقتضاه عن جماعة المسلمين ليصبح جزءا من جماعة الكافرين . ومع هذا التطور في التوصيف بدأ التمييز بين مختلف المناطات وفرقت الفتاوى المعاصرة بين ما يحل منه وما يحرم ، وما تجيزه المصالح وما لا تجيزه إلا الضرورات .
غلبة التألف والمداراة في العلاقة مع المخالف
- وإذا كان الأصل هو هجر المبتدع والتثريب عليه لكن الموقف يدق في أزمنة الفتن وغربة الدين واستضعاف دعاته ، فتصبح القاعدة هي الـتألف والمداراة وليس الهجر والمجافاة ، وقد لا حظ هذا بوضوح من يعيشون في المجتمعات الغربية فقد يكون لأحدهم زوجة حديثة عهد بإسلام وتأبى عليه الاستقامة على بعض الفرائض ، ونصحها فلم تصغ لنصحه ، وقدر أن الشدة عليها أو العنف في خطابها قد يدفع بها إلى الردة عن الدين بالكلية أو إلى الفرار بأولاده منها إلى مكان لا تناله يده ، أو أن يكون له ولد عاق مسرف على نفسه ويخشى إن ثرب عليه بالاعتزال والهجر أن يلقي به إلى مهاوي الضياع بالكلية وقدر أن المصلحة في التألف والمحافظة على ما بقي لدى هؤلاء من الدين خير من الشدة التي يفقدون معها كل شيء .
- ولقد أدرك كثير من المشتغلين بالعمل الإسلامي هذه الحقيقة فأدى هذا إلى تراجع كثير من التوترات التي شابت علاقاتهم في الحقبة الماضية بسبب عدم ضبط هذه القاعدة أو تنزيل ما أثر عن السلف في هجر المبتدع على غير مناطه ، ولقد فتح الباب واسعا أمام هذه التساؤلات :
- ما مدى الخطورة التي تواجهها الأمة من شخص يتأول صفة من صفات الله عز وجل أو يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بالقياس إلى الخطر القادم من المعسكر العلماني الذي يخاصم الأمة في أصل دينها ويرد على الله أمره وعلى النبي صلى الله عليه وسلم هديه ، ويكرس الخصومة مع الوحي ويتنادى جهارا بالفصل بين الدين والدولة ؟ إن التأويل وما يقتضيه من تعطيل بعض صفات الرب جل وعلا شر يجب إنكاره ولا يجوز إقراره ، ولا ينبغي أن تكون هذه النقطة موضع مماراة أو مجادلة ، ولكن أليس تعطيل الدين كله قرآنا وسنة وشن الغارة على من يدعو إلى نقيض ذلك أكثر خطرا وأكثر شؤما وأكثر تهديدا لحاضر الأمة ومستقبلها من خطير كل هؤلاء المتأولين مجتمعين؟! ولا أزال أذكر سؤالا كان يلح على كثيرين وهم يتطارحون القول في هذه القضية : لو أن العز بن عبد السلام أو الجويني أو غيره من أئمة الأشاعرة كانوا على قيد الحياة الآن في مثل الملابسات التي تعيشها الأمة في هذه الأيام ، هل كانت الأمة ستعدهم في معسكر خصوم الإسلام الذين يجب البدء بهم وتطهير الساحة من شرهم وتخليص الأمة من باطل تعطيلهم أ, تأويلهم قبل البدء بجهاد العلمانيين ودعاة الفصل بين الدين والدولة أم كانت ستدفع بهم إلى الصدارة لقيادة جهادها في مواجهة المبطلين والعلمانيين؟!
- - ما مدى الخطورة التي تواجهها الأمة من المقلدة الذين يتعصبون لفقه أبي حنبفة أو مالك أو الشافعي بالقياس إلى الخطر القادم ممن يتعصبون لمقولات المستشرقين أو أئمة الكفر في الغرب ، أو خطر المارقين على ثوابت الملة ممن يكفرون بمرجعية الشريعة في علاقة الدين بالدولة ويتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين وكيف يبدد العمل الإسلامي كل طاقاته في التثريب على الأولين بينما دعاة التغريب والعلمانية يصولون ويجولون ويعيثون في الأرض فسادا ويسومون البلاد والعباد سوء العذاب ؟
ثم يردفون فيقولون : إنها ليست دعوة لإقرار التعصب الذي ترد به أدلة الكتاب والسنة بمقولات زيد أو عمر من الناس ولكنها دعوة لتحديد درجات الخطورة وترتيب أولويات المواجهة ، وقد جربت الأمة ذلك عمليا مهما قيل في نقيضه نظريا ، فقد آزرت المجاهدين الأفغان ودفعت إليهم بفلذات أكبادها على ما كان في كثير منهم من تأويل وتقليد وتعصب بغيض ، ولم تر شيئا من ذلك مانعا من نصرتهم والجهاد معهم لإقامة ما معهم من الحق في مواجهة ملاحدة يكفرون بالدين كله أصولا وفرعا بل يعطلون الصانع ويجحدون الربوبية !
[size=18]ما مدى الخطورة التي تتعرض لها الأمة من دعاة عوام ينقلون الناس من بيئة الغفلة إلى بيئة الذكر ومن بيئة المعصية إلى بيئة الطاعة مع شيء من التفريط في طلب العلم أو في تنقيح بعض النصوص الحديثية بالقياس إلى الخطر القادم من دعاة القومية أو اللادينية أو العلمانية الذين يدعمهم طغاة الحكم وأباطرة الفصل بين الدين والدولة ؟ ومرة أخرى إنها ليست دعوة إلى تهميش العمل العلمي الجاد في مجال تحقيق التراث أو التساهل في إشاعة الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة في[/size][/color]
حكمة أم تراجع ؟!
سؤال يلح على كثيرين بل يجلد ضمائر كثيرين ممن عاشوا الصحوة الإسلامية في إقبالها وتوهجها في السبعينات وعاشوا أيام ذبولها وتراجعها في التسعينات !
لقد تغيرت أوضاع حياتية في واقع كثيرين ، وتغيرت معها أو بسببها اجتهادات فقهية كثيرة واختيارات علمية وعملية عديدة ، وبرز هذا التساؤل الحائر : ترى هل مرد ذلك إلى النضج والحكمة الناجمة عن تنامي رصيد التجارب الحياتية أم مرده إلى الخور والفتنة والتراجع أمام مغريات العيش وأثقال الحياة وجواذبها ؟!
لقد تزوج من كان عزبا ، ورزق من الذرية من كان فردا ، وتمول من كان معدما ، وتقلد منصبا من كان عاطلا ، واتسعت علاقات من كان منطويا ومنعزلا ، واتسعت تجارب من كان غرا ، وتعددت مصادر المعرفة في حياة كثيرين ، وتنوعت مشارب الثقافة لدى آخرين ، تغيرات جذرية لا تخطئها العين وإن كان تجري على وفاق سنن الحياة الجارية وقوانينها المضطردة ، سبيل سار فيه الأسلاف من قبل ، ومضينا نحن على آثارهم ، وسوف يمضي فيه كل من جاء من بعدنا شاء أم أبى رضي أم سخط ، وليس هذا هو المحظور أو المستغرب في ذاته ولكن موضع الريبة والتساؤل ما صاحب ذلك من تطورات فكرية وتحولات نفسية ، وما استتبعه من تغير الأولويات وتباين التحليلات واستجازة بعض ما سبق تحريمه ، والتعايش مع بعض ما سبق حظره وشن الغارة عليه ، ويبقى السؤال الحائر هل هي الفتنة والتراجع ؟ أم النضج والحكمة ؟
في هذه الدراسة محاولة لرصد بعض مظاهر هذه التراجعات لتكون بين يدي طلبة العلم وحملة الشريعة ليدلوا فيها بدلوهم وليقدحوا في تأملها زناد فكرهم وعقلهم ، لا يقصد بها بطبيعة الحال هجوم على أحد ولا إساءة إلى أحد ، وإنما هي وقفة مع النفس وجولة مع الضمير في مرحلة من مراحل العمر لا تحتمل التسويف ولا التفريط ولا يجمل فيها المراء والمغالبة ، وإنما الصدق والصدق وحده ، ومحاسبة النفس اليوم وهي في سعة قبل أن تحاسب غدا وهي موثقة ! فلا تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت!
وهذه الدراسة لا ترصد مدرسة دعوية بعينها من مدارس العمل الإسلامي المعاصر أو اتجاها بعينه من اتجاهاته ، وإنما هي محاولة لإلقاء نظرة شمولية على العمل الإسلامي في مختلف تجلياته المعاصرة ، فهي تشبه أن تكون تحليقا بالطائرة في سماء مدينة العمل الإسلامي المعاصر لتسجيل التحولات النفسية ورصد ظاهرة التراحعات الفكرية التي جدت على الساحة الإسلامية خلال هذه الحقبة، ومن ناحية أخري لا علاقة لهذه الدراسة بتقويم هذه التغيرات في ميزان الخطأ أو الصواب فلذلك محله في دراسات لاحقة بإذن الله ، وإنما تقتصر على مجرد الرصد ، فقد يكون بعض هذه التراجعات إيجابيا بحيث يعد رجوعا إلى الحق وعودة إلى الجادة ، فليس بالضرورة أن يكون كل ما ذكر في هذه الدراسة من قبيل التراجعات السلبية بل منها ما قد يكون كذلك ومنها ما قد يكون على نقيضه ، فأرجو أن نتعامل مع هذه الدراسة بهذه الروح وأن ننظر إليها باعتبارها محاولة لرؤية ميدانية لواقع الحركة الإسلامية في التسعينات مقارنة بما كانت عليه في السبعينات من حيث التحولات النفسية أو التراجعات الفكرية أو العملية توضع بين يدي الباحثين تمهيدا للإجابة على هذا السؤال الكبير الذي عنونت به هذه الدراسة ( حكمة أم تراجع ؟! )
أولا : في إطار العقائد وكبريات المسائل
- تحكيم القوانين الوضعية وأثره على أصل الدين
لقد التقت فصائل العمل الإسلامي على اختلاف مشاربها وتباعد مواقعها على أن تحكيم الشريعة الإسلامية من معاقد الإيمان ، كما اتفقت على أن العلمانية والإيمان نقيضان ، وأن القوانين الوضعية وصمة وبصمة للاستعمار في بلاد الإسلام ، وأن الأمة كما جاهدت لنبذ الاستعمار العسكري فإن عليها أن تجاهد لنبذ الاستعمار التشريعي المتمثل في تحكيم القوانين الغربية في بلاد المسلمين ، ولكنها اختلفت بعد ذلك في تحديد مرتبة هذا الخلل : هل هو من جنس الكفر الأكبر أم أنه من جنس الفسوق والكفر الأصغر ، واختلف القائلون بالأول: هل ينسحب حكم الكفر الأكبر على آحاد القائمين على هذا النظم ابتداء دون إعذار أو إقامة حجة تأسيسا على أن هذا الأمر من جليات الدين ومما عرف منه بالضرورة أم أن الحزم أم نقف عند حدود توصيف الفعل في ذاته ونترك أمر إجراء الأحكام على الآحاد حتى تتحقق شروط التكفير وتنتفي موانعه وحتى نتحقق من انتفاء عارض الإكراه والجهل والتأويل الفاسد ؟
لقد كان كثير ممن نعرف من طلبة العلم مع القول باعتبار تحكيم القوانين الوضعية في ذاته من جنس الردة عن الدين ، وأنه لا يشترط الاستحلال لاعتباره كذلك ، فالتزام هذه القوانين مكفر في ذاته مهما كانت التعلات أو التأويلات عند المتلبسين بهذا المنكر الغليظ ، وأنه لا يعتذر بالجهل في هذا المقام لأنه لا عذر بالجهل في أصل الدين ، وأنه لا اعتبار لعارض الإكراه لأن التقية إنما تكون في الأقوال لا في الأفعال ، وأن التأويل الفاسد لا وجه لاعتباره كذلك وإلا فلنعذر اليهود والنصارى كذلك لأن لهم في بقائهم على كفرهم شبهات وأباطيل فلم لا تعد بدورها من جنس التأويل ؟
ثم ترتب على ذلك جملة من اللوازم : منها إطلاق القول بجاهلية المجتمعات المعاصرة ، واعتبار بلاد المسلمين جميعا ديار حرب لغلبة أحكام الكفر عليها مع ما ترتب على ذلك في بعض المواضع من الشطط في الحكم على الناس والزهادة في أداء الجمع والجماعات بل والزهادة في المشاركة في كثير من أعمال الخير التي تستكمل بها بعض المصالح أو تستدفع بها بعض المفاسد أو تحقق شيئا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أن المنهج المعتبر للتغيير إنما هو النقض وإعادة البناء من الأساس وأن الدعوة يجب أن تتوجه ابتداء إلى إقامة أصل الدين ، وأن كل هذه المحاولات الجزئية للإصلاح لا تعدوا أن تكون محاولة عابثة لاستنبات البذور في الهواء لأن الخلل قد بلغ مبلغا لم تعد تجدي معه محاولات الترقيع والإصلاح الجزئي سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد أم على مستوى المؤسسات والحكومات.
ثم مضت الأيام وأصابت هذه الثوابت بعض الاهتزازات ، وفتح الباب لمثل هذه التساؤلات :
- هل يعد التزام القوانين الوضعية مناطا واحدا لا توصيف له إلا الكفر ؟ هل يستوي حكم من يلتزم بهذا القوانين اتقاء لمفسدة لأنه لا يملك القدرة على التغيير وبين من يلتزم بها إيمانا بحق البشر في التشريع أو بأفضلية القوانين الوضعية على الشريعة الإسلامية أو حتى تسوية بين المنهاجين ؟ بل هل يوجد هذا الصنف الأخير ابتداء في غير طائفة العلمانيين العقديين ؟!
- وما مدى صحة قياس الناس اليوم في اتباعهم للقوانين الوضعية على بني إسرائيل في اتباعهم للأحبار والرهبان فيما كانوا يشرعونه لهم على خلاف حكم التوراة ؟ ووجه التساؤل غياب البعد الديني في طاعة الناس اليوم للقوانين الوضعية وقيام هذا البعد في قصة بني إسرائيل الذين كانوا يتدينون بذلك لأن الذين كانوا يفعلون لهم ذلك هم الأحبار والرهبان ؟!
- وهل يستوي القائمون على القوانين الوضعية جميعا في حكم الكفر ؟ ألا يمكن أن يوجد بينهم بعض الصالحين من جنس مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه أو من جنس النجاشي الذي لم يكن يحكم بما أنزل الله لأنه لا يقدر على ذلك وهو بين أظهر قوم لا يقرونه على ذلك ومع ذلك فهو مؤمن بالله واليوم الآخر وقد صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب لأنه قد جاء من الدين بما يقدر عليه فعذر في ما لم يقدر عليه؟!
- هل يستوي القائم على وزارة الزراعة مثلا مع القائم على وزارة العدل أو الإعلام ؟ وهل يستوي وزراء الأوقاف مع وزراء الحربية أو الدفاع؟!
- وهل يستوي حال حاكم قد ورث هذا الباطل عن عهود سابقة ولديه توجه إلي التغيير مع ما يعتريه من الضعف البشري في بعض الأحيان وحال من هو عاكف لها ومستجيز للحكم بها مع علمه بواقع الشريعة وواقع هذه القوانين ؟!
لقد سافر كثير من قيادات العمل الإسلامي إلى الغرب ، وحطوا عصا الترحال هناك واستطاعوا أن يقيموا كثيرا من الأعمال الإسلامية الناجحة ولكن بعد أن انطلقوا من أن هناك دولة قائمة ونظما سارية لابد من الالتزام بها والسعي إلى الإصلاح من خلالها ، فما الفرق بين التزام القوانين في الغرب والتزامه في الشرق ؟ ولماذا كان كفرا في الشرق بإطلاق واحتاج الأمر في الغرب إلى شيء من التفصيل ، بل لماذا لم يفتح ملف التفصيل ابتداء إلا بعد الاحتكاك بالمقيمين في الغرب ومعايشة ما انغمسوا فيه ليل نهار من الالتزام بهذا القوانين والتحاكم إليها في القليل والكثير ؟
ومن ناحية أخرى فهل كان مجرد مصادفة أن كل من يشار إليهم بالعلم وتشد إليهم الرحال في الفتوى على مستوى الأمة كانوا من أشد الناس تحوطا في هذه القضية وأكثرهم وقوفا عند الإطلاق وتحاشيا للتعيين في الحكم على معين من هؤلاء ؟!
وأخيرا هل يعتبر الحكم على هؤلاء من معاقد الإيمان أو من معاقد السنة بحيث يؤدي الإخلال به إلى الخروج من دائرة الإيمان أو من دائرة أهل السنة في أقل تقدير ؟!
لقد كان كثير من طلبة العلم يجازفون بالقول بأن هذه القضية من معاقد السنة بل من معاقد الإيمان وأدنى أحوال المخالفة فيها الخروج من دائرة السنة والوقوع في مستنقع الإرجاء أو التجهم ، فإذا عورض من أحد بأن من رؤوس أهل العلم في واقعنا المعاصر من يقول بخلاف ذلك كان يضرب عن قوله الذكر صفحا ويغض الطرف عن لوازم قوله من إخراج أئمة عدول اتفقت الأمة على صيانتهم ومرجعيتهم العلمية عن جادة أهل السنة ويحيد من التزام هذه النتيجة ، لا يطاوعه قلبه على التزامها وإن كان التسلسل المنطقي لقوله يقود إليها !!
ولكن العمل الإسلامي يبدو أكثر تفهما لهذه الملابسات وألين عريكة من ذي قبل ، وبات يميل إلى القول بأن المحكم في هذه القضية إطلاقاتها في جوانبها النظرية وليست تطبيقاتها في جوانبها العملية ، بحيث يكون المحكم هو القول بأن تحكيم القوانين الوضعية باطل وكفر ، أما حكم القائمين عليها فيختلف من حال إلى حال ، وهو في الجملة ليس من المحكم الذي يمتحن الناس به أو يعقد على أساسه ولاء وبراء !!
جاهلية المجتمعات الإسلامية المعاصرة
أما إطلاق القول بجاهلية المجتمعات الإسلامية المعاصرة فقد تعرض لشيء من النقد من قبل كثير من طلبة العلم ، وشاع القول بأن الجاهلية المطلقة لا يمكن المجازفة بإطلاقها بعد زمن النبوة لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق … ) كما شاع التفريق بين جاهلية الكفر وجاهلية المعاصي ، وأصبحت الساحة أكثر وعيا بضرورة الحذر عند إطلاق هذه التعبيرات لما قد يترتب عليها من فساد في كثير من المآلات!
دار الحرب ودار الإسلام
أما إطلاق القول بأن بلاد المسلمين قد تحولت جميعا إلى ديار حرب لغلبة أحكام الكفر عليها فقد تعرض بدوره لكثير من النقد لإهدار جانب ظهور الشعائر في بلاد المسلمين من الجمع والجماعات ونحوه في هذا الحكم ولإهدار كون السواد الأعظم من الناس في هذه المجتمعات من المسلمين لا سيما مع ما ترتب على هذا الإطلاق من كثير من اللوازم الفاسدة بدءا من موجات الغلو في التكفير واستباحة الأموال العامة وانتهاء بتعطيل جملة من الشعائر وفروض الكفايات ، وأصبحت الساحة أكثر ميلا إلى التفصيل والقول بأن هذه الديار مركبة فيها المعنيان ، فهي دار إسلام من وجه ودار كفر من وجه ، دار إسلام باعتبار ظهور شعائر الإسلام فيها وكون أهلها من المسلمين وهي دار كفر باعتبار تعطيل الشريعة وغلبة القوانين الوضعية عليها .
وكان من أبرز الآثار المترتبة على هذا التطور في توصيف الدار والمجتمعات تطور آخر في منهج التغيير وآلياته فبدأت الساحة تقبل بمبدأ تكميل المصالح وتقليل المفاسد وترحب بكثير من الإصلاحات الجزئية في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولم تعد الصورة الوحيدة المقبولة للإصلاح هي صورة النقض وإعادة البناء من الأساس كما أشاعت ذلك المجازفات السابقة !
العلاقة بالقيادات السياسية
وفي العلاقة بالقيادات السياسية حدث تراجع نسبي بالقياس إلى ما كان عليه الأمر في السبعينات، فبالإضافة إلى اهتزاز الأساس النظري في تكفير آحاد هؤلاء فقد أدرك كثيرون أن العنف والمواجهة لم يأت بشيء ، وأنه قد جر على العمل الإسلامي ما جر من الويلات والفجائع ، فضلا عن ارتباطه في الأصل بمناط التمكين وليس بمناط القلة والذلة والغربة ، فتطور الخطاب وحل التألف والمداراة محل الشدة والمجافاة ، وشهدت الساحة شيئا من المجاملات بين الفريقين في بعض المواقع ، وتقبلت الساحة هذا التحول وتعايشت معه ولو باعتباره رأيا مرجوحا أو اجتهادا ضعيفا لكن يبقى لأصحابه حظ من النظر في نهاية المطاف !.
ومن ناحية أخري فقد تغيرت خريطة البراء وأولويات المواجهة في كثير من المواقع ، ولم تعد قضية المواجهة مع طغاة الحكم والقيادات السياسية المحلية على رأس هذه القائمة ، فمع استفحال الخطر اليهودي وانتهاك السيادة الوطنية بما يسمى النظام العالمي الجديد برزت الحاجة إلى إعادة النظر في خارطة العداء والبراء وترتيب أولويات المواجهة في ضوء هذه المتغيرات ، وأصبح اليهود والذين أشركوا على رأس هذه القائمة ، بل وظهرت بعض الدعوات التي تنادى بضرورة السعي إلى قدر من المصالحة الوطنية التي تحشد طاقات الأمة في هذه المرحلة الدقبقة وأن تأجج الصراعات المحلية لا يفيد منه في نهاية المطاف إلا خصوم هذه الأمة .
الآبقون على الصحوة
بل كان من التراجعات الفادحة التي سجلتها الساحة الإسلامية انحياز فريق من حملة المنهج السلفي إلى معسكر الطواغيت بالكلية وتبني الدعوة إلى ذلك جهارا وبلا مواربة ، وأصبح هذا الموقف عندهم من معاقد الولاء والبراء ومما يصنف الناس على أساسه ، وعرفت الساحة ولأول مرة التفريق بين العقيدة والمنهج ، فمن الناس من يكون سلفي المعتقد لكنه ليس على منهج أهل السنة وذلك إذا كان يتكلم في العلمانية أو في تحكيم القوانين الوضعية أو ينكر على القائمين عليها أو يبدي شيئا من التسامح مع الجماعات الإسلامية المعاصرة وي رى لاجتماعهم على أعمال الخير وتعاقدهم فيما بينهم على ذلك حظا من النظر ، وبلغ الأمر مبلغ التصريح بأن أجهزة الأمن على ما قد يكون في بعضها من ظلم أرضى لله في الجملة من التجمعات الإسلامية التي تضم طلبة العلم وحملة الشريعة ما دامت لا تدين بالطاعة والولاء لأولي الأمر ، ثم يتطوع بدلالة هذه الأجهزة على عورات إخوانه ويغريها بهم ويحضها على إبادة خضرائهم ، وعرف ولأول مرة هذا التشرذم البغيض داخل الإطار السلفي وما يعنيه ذلك من التقاذف بالتهم والمناكر بدءا من التبديع وانتهاء بالخيانة ، وظهر لأول مرة من يدعو في داخل التيار الإسلامي إلى طاعة العلمانيين من الحكام ويتبنى توطيد ملكهم وتأليف الناس على طاعتهم ويعد ذلك من معاقد الولاء والبراء في علاقته مع الآخرين ، وأساس ذلك كله هو الخلط في تحرير المناط، وعدم التفريق بين انحرافات العلمانية التي تعلن رفضها للشريعة وتتحاكم في الدماء والأموال والأعراض إلى غير ما أنزل الله وبين انحرافات التطبيق العارضة في ظل الدولة الإسلامية التي تقوم ابتداء على الإقرار بمرجعية الشريعة وسيادة مقرراتها ونقل مقالات أهل العلم في واقع لا يزال بعلن قيامه على الشريعة وتحكيمه لها إلى واقع يعلن العلمانية ويحكم القوانين الوضعية ويدعو جهارا إلى الفصل بين الدين والدولة ! وأيا كان هذا الأمر فإن السواد الأعظم على أن هذا الاتجاه بهذه الحدة وبهذه الضراوة في المخالفة لا يعدو أن يكون آبقا على الصحوة الإسلامية بل آبقا على جهاد الأمة كلها في واقعنا المعاصر!
تطور النظرة إلى البرلمانات والمجالس النيابية
فإذا نزلت إلى عالم البرلمانات والمجالس النيابية رأيت قدرا غير قليل من التحولات وتباين الاجتهادات لقد ورث جيل السبعينات ميراثا كبيرا من الصدود عن هذه الأجهزة والازورار الكامل عنها ، فهي أجهزة الطاغوت وأدوات الحكم بغير ما أنزل الله ، وهي التي تصنع الكفر وتصدره إلى الناس ، والقائمون عليها هم الذين ينصبون أنفسهم أربابا على الناس من دون الله ، والاقتراب منها أو السعي إلى التغيير من خلالها فتنة في الدين وتلبيس على الأمة وتغرير بصفاء عقائدها وتميز منهجها وإضفاء للشرعية على ما لا شرعية له …. الخ فماذا بقي من هذه المفاهيم وما الذي تبدد منها وصار نسيا منسيا ؟
لقد فتح الباب أما هذه التساؤلات ؟
- ما مدي صحة القول بإطلاق القول بكفر جميع المنتظمين في هذه المجالس وفيهم الأغرار والجهلاء والمتأولون ؟
- وما مدي صحة القول بأن جميع أعمال هذه المجالس من جنس أعمال الكفر والردة ؟ أليست هذه المجالس تنظر فيما تنظر أمورا أحالت فيها الشريعة إلى التجارب البشرية البحتة كالمسائل التنظيمية والإجراءات الإدارية ونحوه ، فهل يصح أن يقال عن أصحابها وهم يمارسون التنظيم في مثل هذه الأعمال إنهم يغتصبون سلطة التشريع ابتداء من الله ؟! وإنهم بهذا ينصبون أنفسهم أربابا على الناس من دون الله ؟!
- وماذا عن المتأولين الذين جاءوا إلى هذه المجالس بناء على هذا التأويل وحسبوا أنهم يمارسون أعمالا دنيوية بحتة لا علاقة لها بالدين ولا بالشريعة ؟
- وماذا عن هؤلاء الذين يعلمون واقعها ولكنهم تأولوا في ارتباطهم بها نصرة للدين والسعي إلى تحكيم الشريعة أو علي الأقل الحيلولة بين القوم وبين إضاعة ما بقي من ذلك ؟ أو على أدنى تقدير ( معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) ؟!
- وماذا عن من جاءوا إليها طمعا في وجاهة أو مغنم مالي وهم ذاهلون تماما عن مخالفات هذه المجالس لثوابت الإسلام ومحكمات الشريعة؟
تطور النظرة إلى للجيوش والمؤسسات العسكرية
وما أثير من التساؤلات متعلقا بالبرلمانات أثير مثله بالنسبة للجيش والمؤسسات العسكرية بصفة عامة لقد بالغ جيل السبعينات في الازورار عنها فهي عنده جيوش الطاغوت ، والعاملون فيها جنده والمقاتلون تحت لوائها مقاتلون في سبيله ، وغلا بعضهم فكفر جميع المنتسبين إليها أفرادا ومؤسسات والأصل في هذا كله عندهم قوله تعالى ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين )
ثم مضت الأيام وتعرض كثير من هذه المفاهيم للانحسار والتراجع ، ووجدنا من قيادات العمل الإسلامي من يحاول أن يرسل بأبنائه إلى هذه المعاقل أو يفتي بجواز الانتساب إليها بل وبوجوب ذلك في بعض الأحوال ، ثم فتح الباب أمام هذه التساؤلات :
- ما مدى دقة التعميم الذي تبناه العمل الإسلامي في الفترة الماضية في حكمه على هذه المؤسسات ومن ينتسبون إليها ؟.
- ألا يوجد بينها رجال صالحون يحبون الله ورسوله وتمحضت نياتهم للدفاع عن دار الإسلام تحت لواء هذه المؤسسات ، وهم لا يتوقعون أن يحملوا على باطل ثم إن حدث ذلك جدلا اعتزلوا واحتسبوا ما يصيبهم في الله من جراء ذلك ؟.
- ألا يوجد بينها من الجهلاء من تمحض وجودهم فيها لأداء عمل وظيفي بحت كمن يعملون في ظل أي مؤسسة أخرى مع إقرارهم بأصل الإيمان بالله ورسوله ؟.
- بل فتح الباب أمام مثل هذا السؤال: إذا تعينت هذه المؤسسات طريقا للدفاع عن بلاد المسلمين في هذه الأيام فهل يسع المسلم التقاعس عن دعمها والسعي لإصلاحها ما امتهد سبيل إلى ذلك ؟ ثم هل يسعه إذا حزب الأمر ووقعت الواقعة أن يتخلف عن الجندية فيها لدفع عدو صائل أو الدفاع عن الأمة في مواجهة اجتياح يهودي أو صليبي ثم إن تباينت النيات في ذلك فإن كلا يبعث يوم القيامة على نيته ؟!
لقد كبر من كان صغيرا ، وخالط الناس من كان معتزلا ، وتعامل مع كثير ممن يعملون في هذه المواقع فرأوهم بشرا من البشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، ويرتادون المساجد ويغشون مجامع المسلمين ، وقد يوجد في أسرهم من تمحض للعمل الإسلامي وأصبح يصنف في عداد من ينعتون بالإرهاب والتطرف ، لقد اتسعت دائرة العمل الإسلامي واتسعت باتساعها دائرة البلاغ وإقامة الحجة بطبيعة الحال ، وغمر الماء القيعان فارتفع حتى شارف القمم في كثير من المواقع ، ولم تعد هذه الصورة الكالحة الموغلة في التشاؤم هي الصورة المنقوشة في ذاكرة جيل اليوم ، وكان من الطبيعي أن ينشأ عن هذا كله اضطراب في بعض المفاهيم وتراجع عن بعضها الآخر .
تطور النظرة إلى الأجهزة الأمنية
وما أثير من التساؤلات متعلقا بالجيوش أثير مثله بالنسبة للأجهزة الأمنية والقضائية وكما رأينا من قيادات الدعوة من يحاولون أن يدفعوا بذويهم إلى الكليات العسكرية رأينا منهم من بدفع بذويه كذلك إلى كليات الشرطة أو إلى كليات الحقوق ورخص في تبوئ كثير من مواقعها الوظيفية متأولا في ذلك قواعد الضرورة أو الحاجة والمصلحة ، ولسنا بصدد تصويب أو تخطئة ولكننا فقط في مقامنا هذا نرصد هذه التحولات لتكون كما ذكرنا من البداية موضع تأمل طلبة العلم وحملة الشريعة .
ولقد فتح الباب عريضا أمام مثل هذه التساؤلات :
- هل يصح التعميم الذي تبناه العمل الإسلامي في الفترة الماضية في حكمه على هذه الجهات ؟
- هل يصح القول بأن رجال الشرطة جميعا في معسكر العلمانية وأنهم مارقون على الله ورسوله ؟
- هل يصح القول بأنهم جميعا معادون للشريعة كارهون لتحكيمها مجرمون للتدين محاربون لجميع مظاهره ؟
- ألا توجد تخصصات للشرطة تعمل في قطاعات لا علاقة لها بالتدين بمفهومه الخاص سلبا أو إيجابا كحراسة الموانئ والحدود وقطاع المرور ومكافحة جرائم النصب والتزوير ونحوه ؟
- ولعل أكبر جدل لا تزال معاركه حامية الوطيس حتى ساعة كتابة هذه السطور ما دار من جدل حول الوظائف الأمنية باعتبارها تعلقها المباشر بمواجهة التيار الإسلامي وتجفيف منابع التدين ، ولا يزال الحوار سجالا بين الفريقين : مجيزين ومانعين ، وأيا كانت نتيجة هذا الجدل فقد بدأ يسمع ولأول مرة : هل هؤلاء الذين يتربصون بالدعوة وبرامجها وتمحضت أعمالهم لتطويقها ومحاربة القائمين عليها هل يدركون جميعا أنهم يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا وأنهم ينحازون بفعلهم هذا إلى أعداء الأمة ويمكنون لها في ديار الإسلام ؟ أم صور لهم أنهم يحاربون شراذم من الخوارج ومشعلي الفتن الذي صحت فيهم النصوص بأنهم كلاب أهل النار وحرضت على قتلهم وأكدت على أن لمن قاتلهم أجرا يوم القيامة ؟
إن الذريعة إلى هذا التأويل الفاسد قريبة ، وفي الأمة من أهل الفتوى من يزين هذا التأويل وينتصر له ويشرق به ويغرب ، وإن الأمة لم تتحيز بعد إلى معسكرين يتمحض أحدهما للكفر والآخر للإيمان حتى يقول إن مجرد الانحياز لهذا المعسكر أو ذاك يحدد هوية المنتسبين إليه ، بل لا تزال كثير من الأوراق مختلطة وكثير من الرايات متداخلة ، وعندما تختلط الأمور على هذا النحو فإنه يتعين التريث والاحتياط واستصحاب أصل السلامة حتى يأتي في خلاف ذلك أمر محكم لا يختلف فيه ولا يختلف عليه.
وقد انعكست هذه التساؤلات بطبيعة الحال على المواقف العملية فلم يعد تعميم المعاداة والمجافاة أو توحيد تصنيف القوم جميعا وتوحيد معاملتهم جميعا هو الأصل الذي تبنى عليه طبيعة العلاقة بين الفريقين ، وإنما حدث نوع من التمييز بين المواقف والحالات ، ونشأ لون من التعايش بل وإقامة علاقات من الود والصلات الشخصية مع من يبدو منه ظاهر الصلاح وتفويض السرائر إلى الله عز وجل ، وبات هذا هو الموقف الأكثر شيوعا ويبدو في نظر كثيرين أنه أولى بالصواب من غيره وأنه وأرضى للرب جل وعلا وأنفع لدينه ولعباده.
تطور النظرة إلى الأعمال القضائية
وعلى صعيد الأعمال القضائية في ظل تحكيم القوانين الوضعية فتح الباب أيضا أمام كثير من التساؤلات :
- هل المناط المكفر هو تحكيم القوانين الوضعية بإطلاق أم ما كان من ذلك عن رضا وإرادة واختيار ؟
- وهل يستوي في حكم الشريعة قاض حكم بهذه القوانين وهو مؤمن بها معتقد لمشروعيتها وصلاحيتها وآخر يحكم بها لانعدام البديل الإسلامي ولعدم قدرته الآنية على التغيير ، ولأن بقاءه في موقعه من جنس تقليل المفاسد وتخفيف المظالم كما أفتاه بذلك بعض أهل العلم من هنا أو من هناك؟
- وهل يستوي في حكم الشريعة من يتحاكمون إلى هذه القوانين من العامة وأشباه العامة نظرا لانعدام البديل الإسلامي القادر على رد الحقوق واستخلاص المظالم كما هو الأصل في العامة في الغرب والشرق على حد سواء هل يستوي هؤلاء ومن يتحاكمون إليها إيمانا بأفضليتها على الشريعة أو تسوية بينها وبين الشريعة أو حتى تسويغا للحكم بها مع تفضيلهم لحكم الشريعة كما هي المناطات المكفرة في هذا الباب ؟
ومن ناحية أخرى لم يعد الرفض الكامل لهذه الأعمال هو الأصل في كثير من المواقع بل شهدت الساحة كثيرا من الترخصات تحت دعاوى تقليل المفاسد أو اكتساب الخبرة أو عدم ترك هذا المواقع للمبطلين يستطيلون بها على الصالحين من عباد الله ، وأيا كان الموقف من هذه الاجتهادات قبولا أو رفضا إلا أن اللافت للنظر هو التعايش معها واعتبارها من موارد الاجتهاد من قبل كثير من المعارضين فخفت الجدة وتراجعت التوترات ، وصار هذا الاجتهاد جزءا من مألوفات الساحة الإسلامية يقبله من يشاء ويرده من يشاء مع بقاء العصمة والألفة وأخوة الدين .
انحسار ظاهرة التكفير
ونستطيع أن نقول في الجملة إن الساحة قد سجلا انحسارا ملحوظا في قضية التكفير ، فقد انحسرت هذه الموجة عما كانت عليه في السبعينات ، وتراجعت الاتجاهات التي كانت تتبنى إطلاق القول بتكفير المجتمع حكاما ومحكومين ، أو تكفير قطاعات بأكملها كالجيش أو الشرطة أو القضاء وعاد هؤلاء جميعا إلى التفصيل والتفريق بين المناطات المختلفة ، كما تراجعت كذلك الاتجاهات التي تبنت التشكيك في إسلام العامة ودعت إلى التوقف في الشهادة لهم بالإسلام ، وتحول كثير ممن حملوا هذه المقولة في السبعينات عن هذا المنهج وعقدوا صلحا مع المساجد مرة أخرى ، وعادوا إلى شهود الجمع والجماعات مع جماعة المسلمين من جديد !
تطور النظرة إلى التصوف والممارسات الصوفية
- وعلى صعيد آخر خفت حدة العداء للاتجاهات الصوفية ، وأصبح التفصيل بين ما يقبل وما يرد وما يتعايش معه وإن خالفته وبين ما لا سبيل إلى التعايش معه بحال ، أصبح التمييز على هذا النحو هو الموقف الذي يبدو أنه أكثر اعتدالا ويكسب كل يوم أنصارا ومؤيدين .
- لم تعد النظرة إلى القوم كما كان الحال في السبعينات على أنهم طابور خامس أو طلائع للاستعمار في ديار الإسلام بل على النقيض من ذلك فقد كشف النقاب عن الصوفية المجاهدة في أفريقيا ، وتدارس الناس سيرة عمر المختار وزواياه في ليبيا ودورها في مقاومة الاستعمار الإيطالي وانحيازها إلى جهاد الأمة بل وقيادتها لمسيرة هذا الجهاد ، وعاشت الأمة كلها قضية الجهاد الأفغاني ودفعت إليه بفلذات أكبادها ،كان من آكد الدروس المستفادة من هذا الجهاد ضرورة التمييز بين مراتب أهل البدع ومعاملة كل فريق بما يستحق ، وأدرك الناس في ثنايا هذا الجهاد أن ظاهرة التعميم في إطلاق الأحكام وفي تبني المواقف مما يحتاج إلى مراجعة وترشيد ، وأنه ليس من منهج أهل السنة في شيء أن توحد معاملة أهل البدع مهما اختلفت مراتب البدع في ذاتها ومهما اختلفت مراتب أصحابها ، وأنه ليس من منهج أهل السنة في شيء أن تحاسب كل من انتسب إلى التصوف مثلا على كفريات ابن عربي وابن الفارض والحلاج وأمثالهم وأن تفترض ابتداء أنه معتقد لهذه المقولات مع علمه بمآلاتها وإدراكه لمقتضياتها وقد يكون ما سمع بها قط ولا اعتقدها طرفة عين ! كما أدرك الناس من خلال دروس هذا الجهاد المبارك أنه يقاتل مع المبتدع من هو أشد منه ابتداعا ومع الظالم من هو أشد منه ظلما ، وأن مبنى الشريعة على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، نعم لقد أدركت هذه الحقائق مع المتصوفة ومع غيرهم وإن كان هذا لم يغيب ما لدى كثير من القوم من ضلالات وأباطيل ، ولكن المقصود أنه قد بدأ التمييز بين ألوان التصوف والتعايش النسبي مع المعتدل منها .
ومن ناحية أخري فقد اعتدلت النظرة كذلك إلى الممارسات الصوفية وبات يفرق بين ما كان منها من جنس البدع والمحدثات وما كان من جنس الكفر والشركيات وما كان منها في محل الاجتهاد .
- فعرفت الساحة تسامحا مع قضية التوسل وفرقت بينه وبين دعاء غير الله ، وأصبح يشاع بين الناس ما قرره الشوكاني والألوسي والعز بن عبد السلام وغيرهم من جواز التوسل بالصالحين من عباد الله ، وما قرره محمد بن عبد الوهاب من أن هذه القضية من موارد الاجتهاد التي لا ينكر فيها على المخالف .
- وفرق في باب الطواف بين ما قصد به تعظيم الميت كتعظيم الله وبين ما لم يقصد به ذلك فالأول شرك والثاني بدعة .
- وفرق في باب النذر بين نذر يقصد به الفقراء الذين يترددون على مسجد ولي من الأولياء وبين نذر قصد به الميت نفسه من دون الله ، فالثاني هو الشرك والأول قبوله أو رده في محل الاجتهاد .
- وفرق في باب الصلاة في المساجد التي بنيت على الأضرحة بين مصل قصد إلى الصلاة في هذه المساجد لمكان الضريح وبين من صلى فيها عرضا خشية أن تفوته الجماعة ، إذ المحذور في الصورة الأولى أظهر ولعله المقصود ابتداء بما ورد في نصوص النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، أما الثانية فهي في محل الاجتهاد.
- وشاع في أوساط الحركة الإسلامية تعبيرات الزهد والربانية وهي في الأصل مما شاع في الأوساط الصوفية ولكنه طباعة كتب الزهد لأحمد بن حنبل وابن المبارك وغيرهم أدت إلى تطبيع التعامل مع هذا المصطلحات ، وفك الارتباط بينها وبين التصوف في عدد من المواقع وبدت الصورة أكثر تسامحا وأكثر اعتدالا .
وبالجملة لم تعد هذه النظرة الطرفية الحادة هي قاعدة العلاقة في التعامل بين الفريقين ، ولم يعد التعميم هو الأصل في إجراء الأحكام بل التفصيل وإعطاء كل حالة ما يناسبها من الأحكام.
ومن ناحية ثالثة لم يعد الخلل في هذا الجانب مهدرا للصواب في بقية الجوانب ، فأصبحت ترى من يزكي فلانا بسابقته أو بلائه في نصرة الدين ، بل وقد يعظمه وينزله منزل الشيوخ رغم ما هو معروف به من الميل إلى التصوف أو التورط في بعض بدعياته.
التسامح في قضية الصور
وبدا العمل الإسلامي أكثر تسامحا في قضية الصور من ذي قبل ، فبعد أن كان الأصل عنده في هذه القضية هو التحريم في السبعينات أصبح يفرق بين ما يحل منها وما يحرم ، سيما بعد أن ظهرت أشرطة الفيديو وما تحمله من نفع عام في مجال الدعوة إلى الله ، وبعد أن ظهرت الصور في المجلات الإسلامية للتعريف ببعض جراحات المسلمين النازفة في كثير من المناطق المنكوبة من العالم ، وتكاد تكون الصور الفوتوغرافية في الجملة محل إجماع سكوتي على تحريمها –ما لم تكن الحرمة لأسباب خارجية كالصور العارية مثلا – ثم أخذ يتعايش مع الاجتهادات التي تقيد التحريم بالصور المجسمة ذوات الظل ، سيما بعد أن ظهرت الأفلام الكرتونية التي تحمل نفسا إسلاميا ووجد فيها كثير من الدعاة وطلبة العلم بديلا نافعا للأطفال من الأفلام الغربية وما تحمله من خطورة بالغة على الدين والأخلاق ، بل حتى في هذه الصور المجسمة بدأ يتعايش مع الاجتهاد الذي يقول إن هذا التحريم كان في صدر الرسالة عندما كان الناس حديثي عهد بوثنية فحرمت الصور يومئذ حماية لجناب التوحيد ثم زالت هذه الحرمة لزوال هذا المحذور بعد استقرار العقائد وانتفاء ذريعة التعلق بهذه الصور وعبادتها من دون الله.
انحسار فتنة العذر بالجهل
ولم يعد تعميم القول بعدم العذر بالجهل هو الأكثر رواجا أو قبولا في محيط العمل الإسلامي رغم نسبة القول به إلى شيوخ مقدمين لهم إجلالهم ومكانتهم في نفوس أغلب المتدينين ، وأصبح التفريق واضحا بين من لا يدينون دين الإسلام ابتداء فهؤلاء هم الذين لا يعذرون بالجهل - أي لا يشفع لهم جهلهم في وصفهم بالكفر وإن كانت لا تجري عليهم كثير من مقتضياته إلا بالبلاغ وإقامة الحجة -وبين من يدينون بالإسلام ابتداء ويقرون في الجملة بالتوحيد ويبرؤون في الجملة من الشرك ثم يقعون في بعض عوارض الشرك فهؤلاء قد يعذرون بجهلهم - إذا توافرت مقتضيات العذر - فلا يكفرون ولا تجرى عليهم أحكام الكفر إلا إذا أقيمت عليهم الحجة الرسالية التي يكفر معاندها ، ثم توسع في مقتضيات العذر فظهرت الدراسات التي تقول إن الأصل هو عدم العلم ولذلك فإن الأصل هو استصحاب العذر بالجهل في أزمنتنا هذه اعتبارا لغربة الدين وفشو الجهالة وقلة العلم بآثار الرسالة ، وبهذا خفت حدة العداء وتحولت النظرة إلى هؤلاء من كونهم أعداء يمثلون اغتيالا لعقل الأمة أو اختراقا خارجيا لحصونها الداخلية إلى كونهم أجزاء معتلة من جسد الأمة هي أكثر حاجة من غيرها إلى الرفق وإلى العلاج .
التطور الفكري في قضية الولاء والبراء
وفي باب الولاء والبراء شهدت الساحة كثيرا من التحولات أو من التراجعات .
- وعلى رأس ذلك تحديد المناط المكفر في هذه القضية ، لقد أشاع جمهور العمل الإسلامي في السبعينات القول بأن الولاء المكفر هو مطلق النصرة للكافرين أيا كانت بواعثها أو ملابساتها ثم أخذ يتأول مقالات أهل العلم الواردة في قضية حاطب بن أبي بلتعة وفي قضية التجسس
-
- واجتهد في تخريجها على هذا الأصل ثم تعرض هذا الإطلاق لكثير من النقد وتعرض لكثير من التراجعات بعد أن بدت كثير من الممارسات التي تعذر معها استصحاب هذا الأصل والتزام مآلاته ومقتضياته وأصبح اعتبار أن المناط المكفر في باب موالاة الكافرين هو ما كان من ذلك الدين هو القول الأكثر قبولا والذي يبدو في نظر كثيرين أنه أكثر اعتدالا وأولى بالصواب من هذا الإطلاق القديم
- ومن ذلك أيضا قضية إظهار العداء للكافرين ، وطرح سؤال في هذا المقام : هل يستوي في ذلك المقاتلون منهم والمسالمون؟ وإذا كان ذلك كذلك فكيف يجتمع هذا مع إذن الله لنا ببر المسالمين منهم والإقساط إليهم ؟ وكيف يجتمع واجب إظهار العداوة مع ما يقتضيه من غلظة وما يوجبه من نفرة وواجب دعوتهم إلى الله واستمالة قلوبهم إلى الإسلام مع ما يقتضيه ذلك تألف ومجاملة ومداراة ؟ ثم فتح الباب بعد ذلك واسعا لمثل هذه التساؤلات :
- هل هناك من حرج في توجيه الخطاب إليهم باسم الأخوة الإنسانية أو أخوة المواطنة أو أخوة القبيلة أو العشيرة ؟ وإذا كان ذلك لا يجوز فما وجه مثل قوله تعالى ( وإلى عاد أخاهم هودا ) وقوله تعالى ( وإلى ثمود أخاهم صالحا ) وقوله تعالى ( وإلى مدين أخاهم شعيبا ) وقوله تعالى ( وعاد وفرعون وإخوان لوط ) ومثل ذلك كثير في القرآن.
- هل هناك من حرج في وجود عاطفة المحبة الفطرية التي يكنها الزوج لزوجه والرجل لولده أو والده ولو كان كافرا ما دامت لا تحمله على فعل محرم أو ترك واجب ؟ وهل يعقل أن تحل الشريعة الزواج بالكتابية ثم تدعو إلى بغضها وتحرم على زوجها محبتها مع امتنان الله تعالى على الأزواج بما أودعه في قلوبهم من هذه العاطفة في مثل قوله تعالى ( وجعل بينكم مودة ورحمة ) وإذا كان ذلك كذلك فما وجه ما ذخرت به كتب العقائد من القول بأن الكافر يبغض من كل وجه ؟ ولماذا لا يقال : إنه قد يحب من وجه ويبغض من وجه ؟
- ولماذا لا يقال إن الأصل هو الرحمة بهؤلاء الضلال ومحبة الهداية لهم والسعي الحثيث لإنقاذهم من النار وقد قال تعالى واصفا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ( لعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) وقال تعالى ( لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين ) بدلا من إشاعة القول بأن الأصل هو امتلاء القلوب بالعداوة والبغضاء ، وإن إظهار ذلك للقوم هو مناط مشروعية الإقامة بين أظهرهم ؟! ولا شك أن الفرق كبير جدا بين أن يصل إلى القوم أننا نؤصل واجب الرحمة بهم والسعي إلى إنقاذهم وبين أن يصل إليهم أننا نؤصل واجب بغضهم وعداوتهم ونعتبره من معاقد الإيمان!
- وإذا كان الأصل في الإقامة في بلاد الكفر هو التحريم والأصل في الهجرة إلى ديار الإسلام هو الوجوب فماذا يكون الحال عندما لا يأمن المسلم على نفسه في بلاد المسلمين ويأمن عليها في بلاد الكافرين؟ وإذا كانت بلاد الكفار هي التي توفر للمتوطنين فيها حرية الدعوة وحرية الحركة وتحظر عليهم هذه الحقوق في بلاد المسلمين ؟ هل تتغير القاعدة تبعا لتغير المناط ويقال : إن الأصل أن يقيم المسلم حيث يكون أرضى لله وأعبد له وأنفع لدينه ولعباده الشرق والغرب في ذلك سواء بلاد الإسلام وبلاد الكفر في ذلك سواء ؟؟
- وفي هذا الإطار بدأ العمل الإسلامي يحس بفراغ في المكتبة الإسلامية فيما يتعلق بهذه القضية لأن جل ما كتب فيها إنما كتب ليخاطب أهل الإسلام في المجتمعات الشرقية ، لكن شيئا من ذلك لم يكتب ليتوجه الخطاب به إلى مسلمي المجتمعات الغربية أو ليطلع عليه غير المسلمين ممن لا يدينون لله بالوحدانية ولا لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، إن ما ذخرت به هذه الكتب من التهييج على عداوة القوم والحض على إظهار هذا العداء وجعل القدرة على ذلك مناطا لمشروعية الإقامة في ديار الكفر كل هذا بدا أنه في حاجة إلى مراجعة وتدقيق لأننا ببساطة أصحاب قضية وحملة رسالة نريد أن ننقلها إلى الناس في هذه المجتمعات ، ولا يجتمع الأمر بالدعوة مع الأمر بإظهار العداء ابتداء فإن الدعوة تحتاج إلى تألف واستمالة قلوب بل قد تبذل أموال الزكاة في هذا التألف ، وفرق بين استعلاء الإيمان بحيث لا يستشعر المسلم صغارا ولا هوانا وهو يقيم بين أظهر الكافرين وبين أن يكون مستفزا بخطابه أو بحاله أو يبادر إلى مجاهرة القوم بعداوة لا يجدون لها مبررا وهو في مقام الدعوة ولم يصادر على دعوته أحد ولم يحل بينه وبين تبليغ رسالات الله أحد ! . إن ما جاء في كتب السلف صحيح في ذاته ولكن الخلل يكمن في عدم ضبط مناطه وفي تطبيقه في غير مساقه
- وإذا كان الأصل هو فرض الذلة والصغار على المخالف في الدين من أهل الذمة فقد أدرك كثير من الناس أن هذا الأصل مرتبط بمناط الاستخلاف والتمكين وليس بمناط الاستضعاف والمطاردة الذي تعيشه فصائل العمل الإسلامي في أغلب بقاع العالم ، فحل التألف والمداراة محلة الغلظة والمجافاة ، ونشأ قدر من المجاملة بين الفريقين حتى لا يتخذ من توتر العلاقات بينهم مبررا للتنكيل برجالات العمل الإسلامي بدعوى تمزيق الوحدة الوطنية أو تهديد السلام الاجتماعي أو أن يكون ذلك مبررا للقوى الخارجية لانتهاك السيادة الوطنية بدعوى حماية الأقلبات والمحافظة على حقوق الإنسان .
التحالفات السياسية
- وإذا كان الأصل في الولاء والبراء أن لا يعقد على أساس الإسلام فما مدى مشروعية التحالف مع بعض القوى الوطنية لدفع صائل أو الوقوف في وجه اجتياح صهيوني أو صليبي ؟ وهل يعد مثل هذا الموقف قدحا في عقيدة الولاء والبراء ؟
لقد شهد الساحة تسامحا كثيرا في هذه القضية واتخذت من عمومات النصوص منطلقا لها مثل قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) ومثل ما حدث في حلف الفضول إن صحت الرواية به ثم بعد ذلك المصلحة الظاهرة أو الضرورة الملجئة في بعض الأحوال ، بل وجدنا من يقول في المجتمعات الغربية : لا حرج في الاجتماع مع غير المسلمين على حرب المخدرات والشذوذ الجنسي وجنوح المراهقين ونحو ذلك من علل هذه المجتمعات ما دمنا نعيش فيها ولنا مصلحة في تطهيرها من هذه الرذائل ، وإن المقارنة لتبدو مذهلة بين رفض مثل هذا التعاون في السبعينات بين فصائل العمل الإسلامي ممن ينتمون إلى منهج أهل السنة بمفهومه الواسع لوجود بعض الخلافات الفروعية وبين قبوله في التسعينات مع عبدة الصليب والذين لا يدينون ابتداء بدين الإسلام .
تطور النظرة إلى التجنس
وبدا العمل الإسلامي أكثر تسامحا وأكثر مرونة في قضية التجنس ، فبعد أن كانت تمثل في السبعينات عدوانا صارخا على قضية الولاء والبراء واعتبرت لذلك من نواقض الإيمان القولية والعملية وطيرت في أوساط الأمة فتاوى أهل العلم يشأن ردة المتجنس بالجنسية الفرنسية في تونس أصبحت في التسعينات من المجمل الذي يحتاج إلى بيان وتفصيل للتفريق بين ما يقبل منه وما يرد ، اعتبارا لما عمت به البلوى في الأمة من أوضاع وأحوال جعلت من اللجوء إلى التجنس ضرورة ملجئة في بعض الأحوال ومصلحة راجحة ظاهرة في أحوال أخرى ، ونفت عن التجنس المناط الذي يجعله بابا من أبواب الردة عن الدين فأصبح مجرد إجراء إداري لاستكمال أوراق رسمية وكل التزام فيه يعارض دين المتجنس فإن المتجنس في حل منه ، ولم يعد كما كان عقدا بين الدولة وبين المتجنس يقبل بمقتضاه المتجنس شرائع الدولة التي اكتسب جنسيتها وينخلع بمقتضاه من شرائع الدولة الأخري التي خلع جنسيتها وينفصل بمقتضاه عن جماعة المسلمين ليصبح جزءا من جماعة الكافرين . ومع هذا التطور في التوصيف بدأ التمييز بين مختلف المناطات وفرقت الفتاوى المعاصرة بين ما يحل منه وما يحرم ، وما تجيزه المصالح وما لا تجيزه إلا الضرورات .
غلبة التألف والمداراة في العلاقة مع المخالف
- وإذا كان الأصل هو هجر المبتدع والتثريب عليه لكن الموقف يدق في أزمنة الفتن وغربة الدين واستضعاف دعاته ، فتصبح القاعدة هي الـتألف والمداراة وليس الهجر والمجافاة ، وقد لا حظ هذا بوضوح من يعيشون في المجتمعات الغربية فقد يكون لأحدهم زوجة حديثة عهد بإسلام وتأبى عليه الاستقامة على بعض الفرائض ، ونصحها فلم تصغ لنصحه ، وقدر أن الشدة عليها أو العنف في خطابها قد يدفع بها إلى الردة عن الدين بالكلية أو إلى الفرار بأولاده منها إلى مكان لا تناله يده ، أو أن يكون له ولد عاق مسرف على نفسه ويخشى إن ثرب عليه بالاعتزال والهجر أن يلقي به إلى مهاوي الضياع بالكلية وقدر أن المصلحة في التألف والمحافظة على ما بقي لدى هؤلاء من الدين خير من الشدة التي يفقدون معها كل شيء .
- ولقد أدرك كثير من المشتغلين بالعمل الإسلامي هذه الحقيقة فأدى هذا إلى تراجع كثير من التوترات التي شابت علاقاتهم في الحقبة الماضية بسبب عدم ضبط هذه القاعدة أو تنزيل ما أثر عن السلف في هجر المبتدع على غير مناطه ، ولقد فتح الباب واسعا أمام هذه التساؤلات :
- ما مدى الخطورة التي تواجهها الأمة من شخص يتأول صفة من صفات الله عز وجل أو يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بالقياس إلى الخطر القادم من المعسكر العلماني الذي يخاصم الأمة في أصل دينها ويرد على الله أمره وعلى النبي صلى الله عليه وسلم هديه ، ويكرس الخصومة مع الوحي ويتنادى جهارا بالفصل بين الدين والدولة ؟ إن التأويل وما يقتضيه من تعطيل بعض صفات الرب جل وعلا شر يجب إنكاره ولا يجوز إقراره ، ولا ينبغي أن تكون هذه النقطة موضع مماراة أو مجادلة ، ولكن أليس تعطيل الدين كله قرآنا وسنة وشن الغارة على من يدعو إلى نقيض ذلك أكثر خطرا وأكثر شؤما وأكثر تهديدا لحاضر الأمة ومستقبلها من خطير كل هؤلاء المتأولين مجتمعين؟! ولا أزال أذكر سؤالا كان يلح على كثيرين وهم يتطارحون القول في هذه القضية : لو أن العز بن عبد السلام أو الجويني أو غيره من أئمة الأشاعرة كانوا على قيد الحياة الآن في مثل الملابسات التي تعيشها الأمة في هذه الأيام ، هل كانت الأمة ستعدهم في معسكر خصوم الإسلام الذين يجب البدء بهم وتطهير الساحة من شرهم وتخليص الأمة من باطل تعطيلهم أ, تأويلهم قبل البدء بجهاد العلمانيين ودعاة الفصل بين الدين والدولة أم كانت ستدفع بهم إلى الصدارة لقيادة جهادها في مواجهة المبطلين والعلمانيين؟!
- - ما مدى الخطورة التي تواجهها الأمة من المقلدة الذين يتعصبون لفقه أبي حنبفة أو مالك أو الشافعي بالقياس إلى الخطر القادم ممن يتعصبون لمقولات المستشرقين أو أئمة الكفر في الغرب ، أو خطر المارقين على ثوابت الملة ممن يكفرون بمرجعية الشريعة في علاقة الدين بالدولة ويتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين وكيف يبدد العمل الإسلامي كل طاقاته في التثريب على الأولين بينما دعاة التغريب والعلمانية يصولون ويجولون ويعيثون في الأرض فسادا ويسومون البلاد والعباد سوء العذاب ؟
ثم يردفون فيقولون : إنها ليست دعوة لإقرار التعصب الذي ترد به أدلة الكتاب والسنة بمقولات زيد أو عمر من الناس ولكنها دعوة لتحديد درجات الخطورة وترتيب أولويات المواجهة ، وقد جربت الأمة ذلك عمليا مهما قيل في نقيضه نظريا ، فقد آزرت المجاهدين الأفغان ودفعت إليهم بفلذات أكبادها على ما كان في كثير منهم من تأويل وتقليد وتعصب بغيض ، ولم تر شيئا من ذلك مانعا من نصرتهم والجهاد معهم لإقامة ما معهم من الحق في مواجهة ملاحدة يكفرون بالدين كله أصولا وفرعا بل يعطلون الصانع ويجحدون الربوبية !
[size=18]ما مدى الخطورة التي تتعرض لها الأمة من دعاة عوام ينقلون الناس من بيئة الغفلة إلى بيئة الذكر ومن بيئة المعصية إلى بيئة الطاعة مع شيء من التفريط في طلب العلم أو في تنقيح بعض النصوص الحديثية بالقياس إلى الخطر القادم من دعاة القومية أو اللادينية أو العلمانية الذين يدعمهم طغاة الحكم وأباطرة الفصل بين الدين والدولة ؟ ومرة أخرى إنها ليست دعوة إلى تهميش العمل العلمي الجاد في مجال تحقيق التراث أو التساهل في إشاعة الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة في[/size][/color]
محمدابوليزيدصالح الشرقاوى- Admin
- عدد المساهمات : 673
نقاط : 2331
السٌّمعَة : 9
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
العمر : 72
الموقع : gohina.yoo7.com
منتدي النيل (محمد ابواليزيدصالح) :: اسلاميات ____سبحان الله والحمد لله والله اكبر(محمد ابواليزيد جهينة سوهاج)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد نوفمبر 19, 2023 5:22 am من طرف محمدابوليزيدصالح الشرقاوى
» المرأة الخمسينية والستينية
السبت نوفمبر 18, 2023 1:58 pm من طرف محمدابوليزيدصالح الشرقاوى
» فقد الثقة في العلاقات الانسانية
السبت نوفمبر 18, 2023 2:30 am من طرف محمدابوليزيدصالح الشرقاوى
» العدل اساس الحكم
الثلاثاء مايو 09, 2023 6:19 am من طرف محمدابوليزيدصالح الشرقاوى
» صور من التراث الإسكندرية
الثلاثاء مايو 09, 2023 5:59 am من طرف محمدابوليزيدصالح الشرقاوى
» حدوته اسيوطية
الإثنين مايو 08, 2023 3:32 pm من طرف محمدابوليزيدصالح الشرقاوى
» الديون المعنوية
الإثنين مايو 08, 2023 7:29 am من طرف محمدابوليزيدصالح الشرقاوى
» عتمة ليل الجهالة
الإثنين مايو 08, 2023 7:23 am من طرف محمدابوليزيدصالح الشرقاوى
» حديث القلوب
الإثنين مايو 08, 2023 7:18 am من طرف محمدابوليزيدصالح الشرقاوى